تحليل

العثماني وإعادة إنتاج النسخة الأولى للعدالة والتنمية لتصحيح معابر إدماجه السياسي

إديس بنيعقوب

يحمل تكليف سعد الدين العثماني، القيادي البارز في حزب العدالة والتنمية، بتشكيل الحكومة، بعد إعفاء عبد الإله بنكيران من المهمة، في طياته دلالات ورسائل بالغة الأهمية تتجاوز الجانب الشكلي المرتبط ببروفيل وشخصية الرئيس المكلف وتدرجه في العمل السياسي الحزبي والعمومي، إلى جوانب أخرى أكثر عمقا مرتبطة بإعادة هندسة المشهد الحزبي عن طريق إعادة بناء حزب العدالة والتنمية من الداخل بإرجاعه إلى نسخة البداية مع الدكتور الخطيب والعثماني.

لا ينبغي للمتتبع للشأن السياسي والحزبي بالمغرب أن يخطئ النظر عندما يعتبر أن هناك أحزابا متطابقة مع تصور الملكية والدولة إلى العمل السياسي وتدبير شأن الجماعة المغربية، وأخرى متعارضة؛ لأن الأحزاب المغربية كلها مؤسسات أفرزتها حاجة الدولة إلى قنوات تواصل وتأطير لفئات المجتمع المتنوعة، خصوصا مع ظهور حساسيات جديدة مختلفة الخطاب والمرجعية ومتميزة التصور التنظيمي عن الدولة وعن انبثاقاتها ومختلف مصالحها.

الدولة تنظر إلى الأحزاب كبنيات مكملة لأدوارها الاجتماعية، وتسعى من خلالها إلى تصريف قراراتها ومشاريعها السيادية غير القابلة للتنافس. لذلك، فإن صانع القرار السياسي أو المخزن أو الدولة أو جوهر السلطة السياسية، حسب مختلف المصطلحات المستعملة في دراسة النسق السياسي المغربي، يسعى دائما إلى تحديد مسارات اشتغال العقلية الحزبية من خلال ترتيبات عامة غير مباشرة؛ لكنها جراحية ودقيقة من أجل إرجاع التنظيم الحزبي إلى المسار المطلوب.

عبد الإله بنكيران، الرئيس المكلف السابق، قد يكون تجاوز مجموعة من القواعد والأعراف سواء على المستوى الداخلي لحزب العدالة والتنمية، أو على مستوى خطابه العام. ومن ثمّ، جرى استبعاده بشكل قد يكون نهائيا عن الحياة السياسية، خصوصا مع قرب فقدان صفة أمين عام الحزب، ويمكن اعتبار تكليف سعد الدين العثماني تعيينا ذي بعدين غاية في الأهمية هما كالآتي:

البعد الأول يتجلى في رغبة مركز السلطة السياسية في إعادة بناء حزب العدالة والتنمية من الداخل بعدما تطابق مفهوم الحزب لدى مناضليه مع شخصية بنكيران، فأصبح الحزب هو بنكيران وبنكيران هو الحزب؛ وهو ما قضى على مفهوم الديمقراطية الداخلية التي طالما تغنت بها قيادة الحزب ونخبه والتي لا تشكل خطرا على النسق السياسي.

وظهر ذلك جليا من خلال تمديد مؤتمر الحزب لسنة، وظهور توجهات قوية داخل التنظيم تسير في اتجاه تعديل قوانين وأنظمة الحزب للسماح لبنكيران للترشح لولاية أخرى لكونه أصبح يجسد مفهوم الزعيم التاريخي الذي استطاع أن يحقق للحزب مكانة رمزية وتمثيلية غير مسبوقة، فأصبح التخوف من أن يصبح هذا النموذج للزعامة الكاريزمي متمتعا بقدرة كبيرة على خلق الطاعة والولاء الشخصي وغير مقيد بالخطاطة الديمقراطية سهلة الاختراق والتوجيه، وهو ما قد يؤدي إلى خلق قيادة مستبدة تؤثر بشكل كبير على النخب داخله وعلى المشهد السياسي والحزبي المغربي ككل سلاحها الطاعة والولاء ومرجعيتها خارج اختيارات الدولة.

فبعد تجربة بنكيران والحزب على رأس الحكومة، وبعد تجربتهم في حيازة قوة سياسية مفاجئة منذ 2011 استعملها الأمين العام للحزب في تصفية حسابات خارجية وإشاعة خطاب جديد يميل إلى المواجهة في المشهد أصبح من الضروري على ما يبدو من وجهة نظر الدولة العمل على إعادة ترتيب البيت التنظيمي الداخلي وإعادته إلى صيغته الأولى تلك الصيغة التوافقية والمتوافقة بشكل تفاوضي مع السلطة.

البعد الثاني يكمن في تفكير الدولة في بناء جسور وقنوات جديدة لعبور حزب العدالة والتنمية إلى اندماج جديد وتام داخل النظام السياسي المغربي، بحيث يصبح قابلا للتفاوض التفاهم المؤدي إلى تقديم تنازلات وبناء شراكات سياسية تجعل دوره تكميليا لتصور الدولة لتدبير شؤون الجماعة المغربية مثلما حدث في بدايات ولوج الحزب إلى الحياة الانتخابية والسياسية.

هذا العبور لن يتم حتما إلا باختيار قيادة جديدة للحزب للتواصل معها ومتفهمة لمطالب الدولة وفي الوقت نفسه متواضعة الإنتاج السياسي والخطابي في تعاملها مع المغاربة، تمارس نوعا من الرقابة الذاتية على سلوكها وعلى مواقفها قبل إخراجها إلى العلن ومختلفة الهوى التواصلي مع الجماهير.

وبذلك، يمكن القول إن عملية اختيار سعد الدين العثماني، رئيس المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، لتكليفه بتشكيل الحكومة، بعد فشل زعيم الحزب الأول عبد الإله بنكيران، ليست عملا قانونيا تقنيا بسيطا، وإنما هو إجابة واضحة عن سؤال جدوى ومآل خطاب وتواصل بنكيران العمومي وفي الوقت نفسه جواب عن سؤال المنتوج الحزبي التنظيمي الداخلي المطلوب في الوقت الراهن كمرحلة انتقالية نحو تغيير هوية الحزب وطرق اشتغاله في المجال العام.

*باحث في العلوم السياسية