قضايا

هل الإسلام السياسي استنفذ ما عنده؟

الصادق العثماني

مع الأسف، الإسلام السياسي الذي عولت عليه الشعوب المسلمة في السنوات الأخيرة، وبعد فشل القومية العربية والإشتراكية والشيوعية في الأوطان العربية، ارتمى الشباب المسلم في أحضان ما سميت ب "الصحوة الإسلامية" والتي على إثرها تأسست الحركات والجماعات الإسلامية بشقيها الحركي والسلفي، فكان هدفهم حسب أدبياتهم وأيديولوجيتهم هي تأسيس الدولة الإسلامية التي تحكم بشريعة الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالتالي إحياء الخلافة الإسلامية من جديد.

وبهذه الشعارات البراقة بدأ قادة وشيوخ هذه الجماعات استغلال عواطف الناس وحسن ظنهم بالحكومة الإسلامية في عصر النبي، صلى الله عليه وسلم، وعصر الخلفاء الراشدين وما فيها من إيجابيات من قبيل العدل والعزة والكرامة والفتوحات الواسعة والأمن الاجتماعي والعدالة والأخلاف..

وعلى هذا الأساس حركوا عواطف الناس وطبعوا في عقولهم وقلوبهم الصورة الذهنية السابقة في وعي عوام الناس، فتجد المسلم بحبه لدينه ولإسلامه إذا أصيب بضائقة مالية أو شاهد مظاهر الفقر في بعض الدول الإسلامية، تذكر أن المسلمين لم يجدوا من يأخذ الزكاة في عصر الخليفة عمر بن عبدالعزيز..

بدون استحضار سياقات الزمان والمكان وتغير الحال والأحوال وعوائد الناس وأعرافهم وتقاليدهم وأمزجتهم ووسائلهم في تدبير شؤون الحياة، فالتركيز على هذه العواطف، مع تمجيد الذات والتاريخ وغياب الوعي من عقول هؤلاء المشايخ والأتباع، وجد الشباب المسلم نفسه في أحضان "الدولة الإسلامية" الداعشية والحكومة الملتحية في الموصل بالعراق وأدلب في الشام تقتل الحي والميت، وتحرق الأخضر واليابس والشجر والبقر والحجر، تحت راية الإسلام، والإسلام منهم براء.

ولهذا أقول بوعي كامل، إذا ارتدت السياسة لباس الدين فقد الدين رسالته السامية، وبالتالي لا يستطيع إحياء دنيا الإنسان، لأن الإسلام السياسي، للأسف، يزرع في عقول أتباعه الخوف والعصبية والطائفية والمذهبية والكراهية للآخر المختلف معه .. يعيش جفاف الروح ولا ينطلق من رابطة حقيقية بينه وبين الله، عزّ وجل، فبدلا من أن يكون الدين وسيلة للتنمية والسلم والسلام والأمان والتقدم والإزدهار أصبح أداة سلطوية قمعية ومحاكم تفتيش على تدين الناس وطمائرهم، لتحقيق مصالح خاصة لفئة معينة..

كما أن أتباع الإسلام السياسي أصبحوا معاول هدم وسفراء سوء بيد بعض الدول لتحريك الفتن وإجهاض بعض القرارات أو المبادرات السياسية في الدولة الأخرى، أو من أجل حماية أنظمة سياسية معينة، أو من أجل تحقيق أهداف اقتصادية بطرق غير مشروعة..

مع الأسف، ويتم ذلك كله باسم القرآن والإسلام والشريعة.

وفي الختام لا أقول بأن الأيديولوجية الغربية أو الشرقية أو الشمالية أو الجنوبية هي البديل، ولكن الإسلام المدني هو ما يجب أن نفكر فيه في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ أمتنا، مع إحياء عقلنة الإسلام وعولمته وعالميته وإنسانيته .