قضايا

جوانب تدمير المغربي للذات والمجتمع والدين

جواد مبروكي

لم أعد متفقا مع الباحثين على أن المغربي يتميز بشخصية متناقضة، لأنني توصلت إلى اكتشاف أن ما سمَّوه التناقض هو في الواقع "نوع من التدمير" الذي يمارسه المغربي بِلاوعي وبِوعي كما سأوضحه في التجارب الآتية.

ألاحظ أن المغربي يصف المغاربة في جميع المناسبات بفعل الخير وبِحُسن الاستقبال والكرم وشدة المودة بين الزوج والزوجة، وأن هذه الأخيرة معززة مكرمة؛ وبالمحبة في العلاقات العائلية وبالتضامن بين أفراد المجتمع وبين الجيران، وبافتخارهم بوطنهم وبجمال طبيعته، ويتباهون بأن دينهم دين المحبة والسلام (أتحدث عن كل الأديان بالمغرب)؛ وبطبيعة الحال بافتخارهم بالتعايش الذي يسود في بلدهم الذي يعتزون بانتمائهم إلى الأمة العربية.

لنترك مليا عالم الأقوال وننزل إلى أرض الواقع لنخوض في البحث عن كل هذه الأوصاف.

- داخل العائلات: هل هناك عائلة مغربية يغيب فيها النزاع والصراع والكراهية والحقد والنصب بين أفرادها؟ وهل لا تصل في بعض الأحيان إلى المحاكم؟ هل هذا ناتج عن المحبة والتضامن؟ هذا تناقض أم "تدمير"؟.

- داخل العائلة الصغيرة: هل هناك زوج يتحدث مع زوجته بكل احترام ومحبة لأنها سيدة البيت وتسير ميزانيته ويتعامل معها بالمساواة في الحقوق ويعززها ويكرمها؟ هل هناك زوج لا يعتبر نفسه أذكى منها ولا يحتقرها؟ الاحتقار محبة ومودة؟ هذا تناقض أم "تدمير"؟.

هل هناك آباء يحترمون أبناءهم مع غياب أي نوع من العنف؟ كيف للحبيب أن يعنف حبيبه؟ هذا تناقض أم "تدمير"؟.

- التضامن: هل يغيب بين الإخوة والأعمام والأخوال الفقر والجهل والمعاناة والنزاعات؟ هذه روح التضامن؟ هذا تناقض أم "تدمير"؟.

- الجيران: هل هناك حي أو عمارة تغيب فيها الضغينة والعناد بين الجيران؟ هذا هو التضامن والوصية على الإحسان للجار؟ هذا تناقض أم "تدمير"؟.

- الافتخار بالوطن: ألا تسمع وتقرأ "إوا هادْ البلاد السعيدة..."؟ هل هناك من يرفض أن يهجر وطنه لو استطاع؟ هل هناك من ذهب إلى الخارج للدراسة ثم عاد إلى وطنه عن طيب خاطره وليس لأنه لم يستطع العمل أو الإقامة؟ هل هناك من يخدم بلده قبل مصلحته الشخصية؟ هذا هو الافتخار؟ هذا تناقض أم "تدمير"؟.

- جمال الطبيعة: هل هناك مكان خال من التخريب البيئي، مع غياب "الميكا" والنفايات وتشويه جماله؟ ألا نسمع المغربي في نزاعاته يقول "والله حتى نْشْوْهَّكْ قْبالتْ الناس"؟ هل المغربي لا يقصد تشويه بيئة وطنه؟ هذا تناقض أم "تدمير"؟.

- دين المغربي (أيا كان!!): هل هناك علاقة سواء مع البشر أو الحيوان أو الطبيعة لا تسودها سوى القيم الروحانية، من احترام ومحبة وتضامن وسلم ونزاهة وثقة ونظافة ونظام تام وعدم التحرش بالمواطنات وخدمة المجتمع والوطن بتفان لهناء المواطنين؟ هل لا نسمع المغربي يسب الدين مثل "الله يْنْعْلْ دينْ اْمُّكْ"؟ هل هذا تناقض أم "تدمير"؟.

- التعايش: هل هناك قبيلة تحترم الأخرى؟ هل هناك مؤمنون بعقيدة ما يعتبرون الآخرين مؤمنين كذلك ويعترفون بهم؟ ماذا يعني عدم الاعتراف بعقيدة الأقليات المغربية؟ هل هو من كرم الأخلاق؟ أقبح عقاب لشخص هو عدم الاعتراف بوجدانه.. هل أبيض البشرة لا ينادي الأسود "عْزّي"؟ هل لا نسمع في الأحاديث "كْحْلْ الرّاسْ" و"ليهودي حاشاك"؟ هل هذا هو التعايش؟ هذا تناقض أم "تدمير"؟.

- أمة العرب: هل لا نسمع من فم المغربي "العرب ما فيهم خير" أو "حْضي راسك من العرب" أو "العربي غْدّار"؟ هذا هو الافتخار بالانتماء إلى الأمة العربية؟ هذا تناقض أم "تدمير"؟.

لا داعي للاختباء وراء الدين وتقديم الابتعاد عنه كسبب لهذا "التدمير بكراهية"؛ لأن الدين مسألة شخصية وعندما وُضع في جميع الصحون والأطباق نتج عنه النفور المسكوت عنه. ولا داعي أن نضع الدين كحل لجميع المشاكل، لأنه فرار من الواقع ومِن المسؤولية الفردية والوطنية.

*طبيب ومحلل نفساني كاتب وفنان تشكيلي