تحليل

زيارة رئيس الحكومة الروسية للرباط

جمال المحافظ

نزوع نحو عالم متعدد الأقطاب وتكريس لتنويع المغرب لشراكاته الاقتصادية

تشكل الزيارة الرسمية لديمتري ميد فيديف، رئيس الحكومة الروسية، التي بدأها الثلاثاء، إلى المغرب مناسبة جديدة لتعزيز العلاقات القائمة بين الرباط وموسكو تكريسا لنزوع العلاقات الدولية نحو عالم متعدد الأقطاب والمبادرات المغربية الأخيرة الرامية إلى تنويع شراكات المملكة مع بلدان من خارج أسواقها التقليدية.

وعلى الرغم من أن الدبلوماسية المغربية جعلت في الآونة الأخيرة القارة الإفريقية مجالها الحيوي سياسيا واقتصاديا، فإنها مطالبة بتكثيف المبادرات نحو بلدان جديدة من قبيل الصين وروسيا اللذين أصبحا من الدول الرئيسة المؤثرة في ميزان القوى الدولية، فضلا عن عضويتهما في مجموعة "البريكس" التي تحقق حاليا أسرع نمو اقتصادي عالمي والتي دعت في ختام أشغالها في شيامن بجنوب شرقي الصين الشهر الماضي إلى أهمية قيام اقتصاد عالمي منفتح وشامل يمكن جميع الدول والشعوب من تبادل منافع العولمة والالتزام بنظام تجارة يعتمد على الشفافية والتعددية.

وتتوقع الدراسات الدولية المستقبلية أن تتم إعادة ترتيب الدول الاقتصادية الكبرى بحلول 2050، السنة التي ستعاد خلالها هيكلة الاقتصاد العالمي عبر سحب البساط من تحت أقدام القوى الاقتصادية التقليدية الولايات المتحدة الأمريكية. وتوجد روسيا، إلى جانب الصين، في مقدمة هذا الترتيب العالمي الجديد؛ وهو ما يتطلب من المغرب تسريع وتيرة علاقاته الاقتصادية مع الدب الروسي، وجعل هذه العلاقات ترقى إلى مستوى العلاقات التاريخية والسياسية القائمة بين البلدين.

وبالرغم من الإقرار بأن التوجه الجديد للمغرب نحو روسيا الاتحادية يدخل ضمن دينامية دشنتها المملكة في الآونة الأخيرة، في إطار إستراتيجية لتنويع علاقاتها وشركائها الاقتصاديين والسياسيين، فإنه لا يعنى بالضرورة تبني الرباط لسياسة جديدة ومراجعة علاقاته مع شركائه التقليديين والإستراتيجيين.

فحسب الحكومة الروسية، سيتناول ديمتري مدفيديف مع مخاطبيه المغاربة خلال زيارته للمملكة التي تستغرق يومين السبل الكفيلة بتعزيز العلاقات الثنائية خاصة في مجالات الطاقة والفلاحة والسياحة، المجال الذي عرف دينامية مهمة خاصة بعد افتتاح مندوبية للمكتب السياحي بموسكو. وزاد من هذه الدينامية توقيع برنامج عمل مشترك أمام الملك محمد السادس خلال زيارته لروسيا سنة 2016 بين كل من الوكالة الفيدرالية للسياحة بروسيا والمكتب الوطني للسياحة والذي تم التأكيد بموجبه على الرفع من وتيرة التبادل السياحي بين البلدين والعمل سويا على النهوض بالمنتوج السياحي الوطني وتكوين الأطر واستكمال تكوين العاملين المهنيين في الصناعة السياحية، فضلا عن ميدان التشريعات والاستثمار في السياحة وضمان حماية وأمن السياح والتنسيق داخل المنظمات الدولية.

وإذا كانت روسيا تشكل سوقا سياحية واعدة، فإن هناك صعوبات يتعين على المغرب تجاوزها للرفع من أعداد السياح الروس؛ منها إشكاليات النقل الجوي الذي يتطلب إقامة خط ربط مباشر بين فيدرالية روسيا والمغرب وتنويع العرض السياحي الوطني، وتعزيز الإمكانات المرصودة للتعريف بوجهة المغرب، والأخذ بعين الاعتبار خصوصيات ومتطلبات واهتمامات السائح الروسي.

وفي مقابل استقطاب السياح الروس للمغرب، فإن السوق الروسية الواسعة يمكن أن تشكل فضاء لتصدير المنتوجات الفلاحية خاصة الحوامض والفواكه التي تحظى بإقبال الروس، فضلا عن استفادة المملكة من تجربة روسيا لبناء قدراتها في ميادين الطاقة والمعادن.

وعلى صعيد العلاقات السياسية والدبلوماسية بين المغرب وروسيا، فإن أهمية توطيدها تزداد بالنسبة إلى البلدين في ظل نزوع العلاقات الدولية بصفة عامة في المرحلة الراهنة إلى الانخراط في عالم متعدد الأقطاب، وتجاوز مرحلة القطبية الأحادية التي سادت بعد انهيار وتفكك الاتحاد السوفياتي، وتذليل التحكم والاحتكار الغربي للاقتصاد العالمي، والسعي الحثيث إلى الحصول على دور في إدارة الاقتصاد العالمي.

وتكاد تتطابق وجهات النظر المغربية والروسية حول عدد من القضايا الدولية؛ منها إيمان البلدين بتسوية النزاعات الدولية والإقليمية بالطرق السلمية، واحترام وصيانة ووحدة أراضي واستقلال الدول، ومكافحة آفة الإرهاب، ومركزية هيئة الأمم المتحدة في تنظيم العلاقات بين الدول وفي مجال تعزيز الشرعية الدولية.

وبإمكان تفعيل الاتفاقيات الــ15 التي جرى توقيعها خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها الملك محمد السادس في مارس 2016 إلى روسيا، والتي تهم مجالات التعاون الثنائي في عدد من القطاعات منها الطاقة والسياحة الخدمات الجوية وحماية البيئة والصيد البحري والحماية المتبادلة للمعلومات المصنفة في الميدان العسكري والثقافي والفني.