رأي

عبد العزيز كوكاس: الوباء ينعش تجار المآسي .. و"الكورونوفوبيا" أخطر من الفيروس

إذا كنا قد شهدنا، باحتفالية صاخبة، نهاية التاريخ، فعلينا الآن أن نعد لقداس جنائزي آخر: إن الجغرافيات تدنو من النهاية" الباحث المستقبلي الأمريكي هاري جونستون

يروي الراهب الهندي والكاهن اليسوعي أنتوني دي ميللو حكاية رمزية مؤداها، أن الطاعون كان في طريقه إلى مدينة دمشق، فالتقى أثناء عبوره بالصحراء قافلة، سأله قائدها: "لم العجلة؟ إلى أين تمضي هكذا مسرعا؟"، فأجابه الطاعون: "إلى دمشق، أنوي القبض على حياة ألف شخص".. وأثناء رجوعه من "مهمته" التقى الطاعون بذات القافلة، بعد أن كان قد داع ما فعله الطاعون من كوارث بالشام، فقال له قائدها مستنكرا: "لقد أخذت حياة 50 ألف شخص، وليس فقط ألفا كما ادعيت"، لكن الطاعون أجاب بيقين المخلص الملتزم بكلمته: "لا أبدا، أخذت فقط روح ألف ضحية، ولكن الرعب والفزع هو من حصد الباقي!"

كذلك هو الشأن فيما يجتاح المغرب كجزء من العالم اليوم جراء سرعة انتشار فيروس كورونا المتجدد، فبرغم الأداء التواصلي الجيد حتى اليوم للجهات الرسمية، التي لم تخف حتى خبر إصابة عضو من الحكومة بوباء كورونا، وهو ما حد من خطر الإشاعات التي لا تتأخر عن ملء الفراغ، مع ذلك هناك من يجتهد في استخراج أرقام مخيفة من وحي خياله المريض، وللأسف فالأخبار السيئة دوما تعبر بسرعة كما يقول المثل الإنجليزي.. لحد الآن توفيت ضحيتان- رحمة الله عليهما- من أصل63 حالة المعلن عنها حتى مساء الخميس، وليس استرخاصا بأرواح العباد لنقول إن الرقم حتى اليوم غير مخيف، إذ أن ما تحصده حرب الطرق بيننا يتجاوز بكثير هذا الرقم خلال ثلاثة أشهر من انتشار فيروس كورونا المتجدد، وهذا لا يدعو للاستهتار وعدم اللامبالاة، فالوباء حقيقي وخطره قائم، لكن هناك ما هو أخطر على المغاربة من فيروس كورونا، إنه الأخبار الزائفة والشائعات التي تخلق هالة من الفزع والرعب الأشد فتكا، كما الطاعون في حكاية المفكر أنتوني دي ميللو الذي لم يقتل سوى ألف شخص، لكن الخوف والفزع الذي انتشر بين الناس هو الذي قتل 49 ألفا منهم!

فنحن في حالة حرب ضد فيروس قاتل، ويفترض أن نكون سندا لهؤلاء الجيوش الموجودين في فوهة الخطر من أطباء وممرضين مدنيين وعسكريين ومن نساء ورجال الوقاية المدنية والجمارك والدرك والأمن والجيش، وكل عبث بنشر أخبار زائفة هو مساهمة في إضعاف وتقويض معنويات هذا الجيش، يفرض بجانب إعمال القانون وتنزيل العقاب، أن يتقي أصحاب "الضحك الخايب" والمستهترون الله في البلاد والعباد ويكفوا عن نشر أي كلام بلا سند، بادعاء وقائع زائفة أو تحوير وقائع حقيقية بكلام مغلوط يشوه الحقائق ويخلق الفزع في الناس ويروعهم، فهذا أكبر خطر من الجائحة التي ساوت في ضربها العالم كله، وستمر كما مرت المجاعات وباقي الأوبئة وبأقل الخسائر متى ما اتخذنا الحيطة اللازمة وتخلينا عن العبث والاستهتار.

فما شاهدناه خلال هذا الأسبوع من سعار محموم للتسوق وتخزين المؤونة بشكل زائد عن الحاجة تحسبا للطوارئ، لا يدل على سلوك مدني بيننا كمغاربة، لقد صرح السفير الصيني بالمغرب لهذا الموقع ذاته، أنهم تغلبوا على فيروس كورونا بالتضامن والتعاون وبروح جماعية، من هنا فالمغرب كما باقي دول العالم في حالة حرب حقيقية مع فيروس قاتل خفي، يترك الأثر فقط، ومسؤولية الحد من خسائره على المملكة ليست مسؤولية الدولة وحدها، بل هي مسؤولية المغاربة أجمعين، فأن يقصد البعض الأسواق الكبرى لمجرد أن توفرت لهم إمكانية ذلك لتجفيفها وتخزينها حتى فوق الحاجة إليها سيلهب الأسعار وينشط الوسطاء والمضاربين وتجار الأزمات..

وعلينا في وسط هذه المأساة البشرية أن نلتفت إلى جوهرنا الإنساني، لذلك نعتز بمساهمة قطاعات عديدة من المجتمع في صندوق كورونا الذي أمر الملك بإحداثه لمواجهة وتدبير أزمة هذا الفيروس القاتل، وتطوع رأسماليين كبار والعمال والولاة والحكومة والبرلمان وموظفي البرلمان والقضاة ومجموع المتبرعين حتى من ذوي الدخل المحدود في مجموع ربوع المملكة، هو عنوان لجبهة أمة في مواجهة عدو كورونا، مواجهة الفضيلة والتضامن ونكران الذات والتضحية في زمن الكارثة، لذا أعتبر بيان رابطة التعليم الخاص في هذه الظرفية الاستثنائية، صوتا نشازا على اعتبار أنه القطاع الأقل تضررا من السياحة والنقل ووكالات الأسفار، والعمال الموسميين الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة البطالة، والمقاهي والمطاعم الصغرى التي أغلقت أبوابها وجيش من المعطلين فقدوا مهنهم التي يكسبون منها قوتهم اليومي، فبالأحرى بقطاع لا يستثمر فيه إلا الأثرياء وبأقل كلفة، وهم أقل تضررا.

وعلينا أن نحيي أيضا جنود الظل في المدن والحواضر، كما في المداشر والقرى الذين يقومون بعمل جبار لمساعدة الناس وتوعيتهم بدون ضجيج إعلامي، بهؤلاء يمكن أن نواجه هذه الجائحة الخطيرة، بالبعد الاحترازي الاستباقي، بالتضامن الإنساني بلا حدود هو ما سيجعلنا جبهة واحدة ضد كورونا القاتل، في معركة غير متكافئة مع فيروس بلا وجه ليبرز لنا في ساحة المبارزة بقيم الفرسان النبلاء، لذلك فليخرس الدجالون والمشعوذون ومن لهم فهمهم المتخلف لـ"قل ما يصيبنا إلا ما قدر الله لنا" دون أن يعلموا حكمة عمر بن الخطاب الذي قال أيام الطاعون: "إني هارب من قدر الله إلى قدر الله"، والذين يرون في الوباء المنتشر عقابا إلاهيا.. علينا أن نكون حذرين من تصديق كل ما ينشر ونساهم في ترويجه حول وباء كورونا، فذلك يمكن أن يقتل العديدين منا ليس بسبب الفيروس ولكن برهاب الخوف والفزع، ذلك أن الفتنة أشد من القتل.

"لا يمكن أن يكون الموت صعباً، فحتى الآن لم يفشل فيه أحد" كما يقول الكاتب نورمان ميلر، لكن الصعب هو أن يموت الناس بأسباب خلق حالة من الفزع والتهويل وترويج الأخبار الكاذبة، في لحظات الأزمة، وحدة أمة وصدق المجموعة الوطنية بحس تضامني فعال هو ما يحد من الخسائر، لقد مررنا من جوائح كثيرة كان بعضها يقضي على نصف ساكنة المملكة، واستمر المغاربة واستمرت الحياة.. وهنا الاختبار الأكبر لصمود دولة بمؤسساتها المختلفة، ووعي مواطنين متضامين في جبهة واحدة لهزم كورونا القاهر.