قضايا

ليس من حقنا أن نرسب في امتحان الوطنية والمواطنة والوحدة والتلاحم

عبد الصمد بن شريف

إذا كان المجتمع من خلال نخبه ونشطائه في المجالات الحقوقية والسياسية والمدنية ومن خلال مثقفيه وإعلاميه، عبر عن رفضه لمشروع قانون رقم 2022 الذي صادقت عليه الحكومة استنادا إلى ما نشرته مجموعة من المنابر الإعلامية .
والمتعلق باستعمال شبكات التواصل الاجتماعي، وشبكات البث المفتوح والشبكات المماثلة ،فإنه بناء على قواعد ومبادئ فلسفة التشريع ، التي لا يمكن أن تقبل بفرض قانون يرفضه المجتمع ، وبناء على مبدأ المصلحة العامة والأخذ بعين الاعتبار بالظرفية الاستثنائية التي تجتازها بلادنا وكل دول العالم بسبب جائحة فيروس كرونا المستجد، وبناء على ما تحقق من توافق واجماع وتضامن وتلاحم وطني ، وما ترسخ من ثقة في إجراءات وتدابير مؤسسات الدولة في تدبير مخاطر وتداعيات هذه الجائحة، يتعين على الحكومة أن يكون تفاعلها مع مطالب المجتمع بخصوص سحب وتجميد هذا المشروع الذي خلق حالة من الاستياء والشك والتشويش إزاء حرية التعبير والتواصل ،في  مستوى إعجابها وإشادتها  بمواقف وسلوك وعواطف المواطنين في تعاطيهم مع حالة الطوارئ الصحية.
علما أن المشروع المثير للجدل مازال غير نهائي، ويمكن في هذه الحالة إذا توفرت الإرادة الوطنية والسياسية، أن لا يرفع أصلا إلى البرلمان. دون أن يعفي ذلك المؤسسة التشريعية من لعب  دور ها  في حماية الديمقراطية ، تجاوبا مع اقتراحات ومواقف الأحزاب السياسية  الممثلة في البرلمان أغلبية ومعارضة، والتي تدرك جيدا وبدون شك،  أن كل ما من شأنه أن ينسف الجهود المبذولة والتضحيات الجسيمة المقدمة لصياغة موقف وطني قوي ومتماسك في ظرفية إستثنائية، وأن أي مبادرة غير محسوبة بدقة ،والتي قد تشوش على الحكمة والعبقرية اللتين أدار بهما المغرب وفق توجيهات  أعلى سلطة في البلاد ،أزمة خطيرة مازالت تداعياتها وآثارها  غير معروفة بالشكل المطلوب ،لن تجد لها مكانا ولا آذانا ولاترحيبا بين كل المغاربة. علما أن التريث وإعمال العقل في مثل هذه السياقات غير العادية، لا يعني تشجيع القوى الحية وكل مكونات المجتمع على اختلاف مشاربها ومواقعها ، التسيب ونشر الوقائع والأخبار  الكاذبة وزرع الفتنة والبلبلة والكراهية  والاعتداء على الحياة الخاصة للأشخاص والمس بكرامتهم وسمعتهم والتشجيع على شق الصف الوحدة الوطنية إلخ.
إن اللحظة الحرجة  التي نعيشها، أثرت علينا جميعا على كافة المستويات،  وغيرت كثيرا من المفاهيم وحتى القناعات، وأربكت العالم بأكمله ، حيث وضعته في مواجهة أزمة عظيمة غير مسبوقة في التاريخ. وكل دولة تعمل وتجتهد لاحتواء تداعيات الأزمة بأقل التكاليف والخسائر، وهي تعلم علم اليقين أن حالة  التعافي النهائي اجتماعيا واقتصاديا لا أحد يتكهن بمداها الزمني. والمغرب كدولة لا يشذ عن هذه القاعدة، فوصوله إلى بر الأمان يعني أن يعد الخطوات بالميزان ، وأن يحافظ على زخم وفورة وتدفق المشاعر الوطنية، لأن هذه المشاعر سلاح مهم وفعال في زمن  الأزمات والجائحات، وعندما قررت الدولة بتعليمات ملكية  أن تضحي بالاقتصاد من أجل حماية المواطنين من فيروس قاتل وضمان حقهم في الحياة، فإن هذا القرار الذي أثار إهتمام وإعجاب العالم وتمت الإشادة به على نطاق واسع ، حتى في البرلمانات العريقة، كما حدث في الجمعية الوطنية الفرنسية، عندما طالب جون لوك ميلانشو زعيم حزب فرنسا الأبية، الحكومة الفرنسية بالاقتداء بتجربة المغرب، أقول إن هذا القرار لا يجب أن يذهب سدى وأن يكون له ما بعده ، لذلك ليس  من حقنا أن نخطئ في قراءة المرحلة . وليس من حقنا أن نرتكب أخطاء بمقدورنا بقليل من التبصر والتعقل تجنبها، وليس من حقنا أن نرسب في امتحان الوطنية والمواطنة والوحدة والتلاحم  والتضامن والتماسك .