قضايا

تسمية الشوارع أمر سيادي لا يترك "للإبداع" الشخصي للمنتخبين ومرجعياتهم الإيديولوجية

يونس وانعيمي

لا نعلم من قرر ومتى وكيف وبأية وسيلة تمت تسمية بعض شوارع وازقة مدينة تمارة بأسماء "أحفاد قريش"؟

طبعا المجلس الجماعي للمدينة، برئيسه ومستشاريه، والأحزاب التي يمثلونها كمنتخبين، مسؤولة عن هذا "الفسق والفجور" السيميائي الذي عرى ما يكتنزه رأس مشروع الإسلام السياسي وما ينويه عندما تحول من محرابه إلى كرسي التدبير المحلي.

للذين يظنون أن "فضيحة تمارة" مختلقة من طرف فيسبوكيين "شيوعيين أو بلطجية يسار عنيف"، وأن الأمر لا يمكن تسييسه لأنه لا يعدو ان يكون حالة سهو أو سكر وسوء تقدير ليس إلا ، سأمدهم بالملاحظات التالية.

لم يكن اعتباطا ان يطلق ملك البلاد اسم "عبد الرحمن اليوسفي" على أهم شوارع طنجة، وإطلاق الحسن الثاني رحمه الله اسم الفقيد "عبد الرحيم بوعبيد" على شارع بمركز العاصمة، ولم يكن اعتباطا ان يتم إطلاق اسم "محمد الخامس" على اهم باحات باريس، واسم فيكتور هيغو او جون بول سارتر او ماهاتما غاندي، أو جون كينيدي..

وبالمقابل أيضا، لم يكن اعتباطيا إزالة اسماء باتريس لومومبا وبن بركة بالرباط وإزالة اسماء صدام حسين، أو معمر القدافي او زين العابدين بنعلي من على يافطات اهم شوارع بعض العواصم العربية..

المفاد من هذا، ان تسمية الشوارع او المدارس او المستشفيات وباقي المرافق العمومية، ليست بتلك الاعتباطية لأنها مفعمة برمزية سياسية وسيادية قوية.

نطلق اسما ما تيمنا بمسار صاحبه ونضاله السياسي او حتى بقوة مكانته في الدولة والنظام أو إنتاجه المعرفي والعلمي او استماتته الاخلاقية في سبيل نصرة قضايا الإنسان وحريته وحقوقه.. والأهم هو أن نترك طنين الأسماء ترن في مسامع العامة لان وراء الأسماء "عقيدة" سياسية للدولة: تمجد الليبراليين إذ كانت ليبرالية المنحنى، أو تمجد اعلاما اشتراكية او شيوعية إذ كانت شيوعية المنحى، أو تمجد اعلاما من كل الاطياف اذا كانت الدولة تستكين لحياد جيوسياسي معين.. والدولة المغربية كانت دوما تعكس سياستها الدبلوماسية عبر تسمية الشوارع والمرافق العامة.

وبالتالي، فإنني أؤمن بأن تسمية الشوارع هي أمر سيادي لا يترك "للإبداع الشخصي" للمسؤولين المحليين ولا يترك لمرجعياتهم الفكرية وتقديراتهم الايديولوجية التي بها يختاروا اسماء لشوارع وأزقة وأسواق ومدارس المغاربة.

يبقى الأمر الخطير الذي لا يجب التغاضي عنه هو كيف تسنى لمستشار جماعي ان يسمي شارعا باسم "مفتي وهابي" من شبه الجزيرة العربية بدون المرور من مراحل التأشير على قرار من هذا النوع؟

وهل هاته الأسماء، من دون أخرى، هي التي استقر عليها مجلس المدينة كأسماء لها وزن قيمي وعقائدي يفتخر بها المغرب ويوظفها في بناء رمزيته الجماعية المشتركة؟

ولماذا، وهنا مربط الفرس، يذهب المسؤولون الجماعيون الاسلاميون عن حزب العدالة والتنمية دوما (ليس في تمارة فقط وإنما وقعت الواقعة باكادير ومراكش وتطوان...) إلى هذا التمادي المقصود والممنهج في تحويل مدن المغرب الى أشباه ثغور قروسطية بأسماء "مفتيي الدم"؟ واين هم حلفاؤهم من الأحزاب الأخرى وكيف تتم هاته المصادقات المطبوعة بالشذوذ والردة الايديولوجية؟

لماذا يتفاخر هؤلاء بفقهاء متعصبين لدول خليجية نعيش معها اليوم برودا ديبلوماسيا غير مسبوق لضلوع بعضها في التخطيط لخلخلة أمن المغرب واستقراره؟

واش نكبرها؟؟؟

يدعونا ذلك للشك ربما في اختراق هذه الانظمة الرجعية لأحزابنا وتدبيرها ،عن بعد، لعملية التمطيط الايديولوجي لفضائنا العام قبل الانتقال لعمليات أخطر تشمل التمطيط الذهني للمغاربة عبر تطبيعهم المسبق مع الانتلجنسيا الوهابية..

وللذكر، فإنها استراتيجية ليست جديدة بل تم تمويلها لمقاومة نجاح الخميني والشيعيين، في الإمساك بإيران ودول مجاورة، فدخل للمغرب "وهابيو الخليج وطالبان أفغانستان" وانتشروا ينفثون سمهم في كتبهم الصفراء وكاسيطهم وفتاويهم المغرضة بمساجد الأحياء قبل السيطرة على الثانويات والجامعات.