رأي

محمد أولوة:"التعاضدية العامة للتربية الوطنية: التجسيد الحقيقي للتعاضد "

مع مطلع القرن التاسع عشر، اعتمدت أوروبا نظام تكافل اجتماعي للاحتياط والتأمين، على شكل جمعيات ذات المنفعة العامة التي لا تهدف إلى جني الربح. بحيث ينبني هذا النظام على التعاون والتعاضد المتبادل بين عموم المشتركين، قبل أن ينتشر بعد ذلك بباقي أرجاء العالم تحت إسم النظام التعاضدي.

 لقد عرف هذا القطاع بالمغرب عدة مراحل، بدءا بمرحلة التأسيس التي أحدثت خلاها سنة 1963 التعاضدية العامة للتربية الوطنية، والتي تضطلع بالتغطية الصحية، في مجال التآزر والمساواة بين منخرطاتها ومنخرطيها، حيث يستفيد هؤلاء وذويهم من تعويضات عن التكاليف الطبية والجراحية والإستشفائية والدوائية... ومن خلال استقراء العديد من المبادرات لتطوير خدماتها، وكذا الحكامة والديمقراطية التشاركية كمبدأ كوني للتعاضد، المعتمدة في تسيير المرافق الإدارية والصحية والاجتماعية لهذه المؤسسة يتضح ما وصلت إليه هذه التعاضدية من مستوى مؤسساتي وتدبيري متطور، خاصة خلال السنوات الأخيرة، وهو المجهود الذي لازال في حاجة إلى التحسين، حيث يؤكد في كل المناسبات رئيس المجلس الإداري لتعاضدية قطاع التعليم، على ضرورة بذل المزيد من المجهودات لتطوير هذه المؤسسة بشكل جيد، وتجويد خدماتها، إرضاء لطموحات المنخرطات والمنخرطين واستجابة لكل متطلباتهم وحاجياتهم في مجال التغطية الصحية والحماية الاجتماعية.

ولعلى وباء كورونا قد أتبث نجاعة الأساليب التدبيرية التي تتم بها معالجة مختلف ملفات المؤمنين. وذلك حرصا من أطر هذه المؤسسة ومستخدماتها ومستخدميها على الاستمرارية الخدماتية الجيدة للتعاضدية خلال هذه الظرفية الصحية العصيبة، بما في ذلك
تمكين منتجي العلاجات من الاستمرارية في تقديم الخدمات الصحية.

وفي هذا الإطار أصدرت التعاضدية العامة للتربية الوطنية مذكرة إخبارية توضح فيها طرق الاستفادة عن بعد من طلبات التعويض عن الملفات المرضية للمنخرطين وذويهم دون الأخذ بالاعتبار الآجال الزمني المعمول به سابقا في التسوية، عملا بالتدابير الاحترازية والوقائية من عدوى مرض وباء كوفيد-19، وحفاظا على سلامة المنخرطين والمستخدمين العاملين بمقر الإدارة المركزي للتعاضدية وبممثلياتها الجهوية عبر التراب الوطني. واستحضارا لظروف الحجر الصحي وتزامنها مع شهر رمضان، استنفر رئيس المجلس الإداري للتعاضدية العامة للتربية الوطنية المصالح المختصة من أجل التسريع في صرف منحة الأيتام الخاصة بأبناء المنخرطات والمنخرطين قبل حلول عيد الفطر المبارك، مراعاة لوضعية هؤلاء المادية والاجتماعية، وتخفيفا عليهم من وطأة المصاب الجلل الذي ألم بهم.

هذا، وبالإضافة إلى عمل الأطقم الإدارية والصحية للتعاضدية ومجهوداتها الجبارة بكل تفان ونكران للذات، خدمة لمصالح المنخرطات والمنخرطين، وضمان استمرارية الاستفاذة، بكل سلاسة ومرونة، من كل الحقوق المخولة لهم، تجدر الإشارة إلى تجاوب كافة أطر التعاضدية وأطبائها وموظفيها ومستخدميها مع نداء الوطن، وانخراطهم التام في المساهمة المادية التضامنية الخاصة بتدبير ومكافحة تدعيات جائحة فيروس كورونا المستجد، تعبيرا منهم عن علو حسهم الوطني، وعمق تلاحمهم مع مكونات المجتمع المغربي ومؤسساته في الملحمة الوطنية التاريخية ضد هذا الوباء، وتجسيدا منهم لروح التعاضد ونبل قيمه الذي يدخل في صميم مجالهم المهني والذي تنبني أسسه على مبدأ التضامن وقيم التكافل والتأزر التي عهد بها دوما المجتمع المغربي.

وبالعودة إلى الطموحات السالفة الذكر التي تروم تطوير منظومة التعاضد لهذه المؤسسة، فإن الأمر يقتضي الاستفادة مما أفرزه وباء كورونا كوفيد-19 من تداعيات على العديد من القطاعات الحيوية وهي التداعيات التي تفرض تبني استراتيجية تنبني أسسها انطلاقا من دروس هذه الأزمة الصحية المفاجئة، وذلك بما يضمن تطوير تكنولوجيا النظم المعلوماتية والرقمية للتعاضدية، للرفع من جودة خدماتها وإعداد مواردها البشرية ذات الكفاءة التقنية القادرة على تدبير الطوارئ المفاجئة  وغير المسبوقة.