رأي

خطري الشرقي:الشفرة الدبلوماسية في نزاع الصحراء بعد قرار 2351

انبرت الأحداث مؤخرا في نزاع الصحراء إلى ترسانة من المواقف الصادرة عن طرفي النزاع، والأمم المتحدة المكلفة بإيجاد حل متوافق عليه. وذلك في إطار مقررات الشرعية الدولية، بالتزامن مع السهر على تطبيق مقتضيات وقف اطلاق النار وتنظيم مسلسل المفاوضات رفقة مجموعة اصدقاء الصحراء.

لقد شهدت المنطقة انسيابية في الصور، وأساليب التعبير عنها.بدءا بالعودة لاتحاد الافريقي ومارافقها، وثم احداث المعبر الحدودي منطقة الكراكرات. ووصول أمين عام جديد للأمم المتحدة انطونيوغوتيريس وتعيين مبعوث للصحراء هورست كولر، وأمين عام جديد لجبهة البوليساريو غير من استراتجية الهدوء على طرفي الحدود الى محاولة خلق وضع جديد.

و مشاهد حماية الثروات آخر فصولها إيقاف السفن البحرية بإيعاز من هيأت مدنية غالبيتها موجودة في الدول الاسكندنافية. ومما يدل على تحول جذري في سيناريوهات التعاطي مع الملف بمعزل عن الثوابت التي يستند لها كل طرف من طرفي النزاع في استدلال والذود عن مواقفه وتدعيميها او الهيات الخارجية سواء السياسية و المدنية المتدخلة في النزاع سياسيا،اقتصاديا،مدنيا،حقوقيا.

فالإجراءات التي اتخذت في غياهب ممرات الممارسة الدبلوماسية لإيجاد حلول لأزمة بين طرفي النزاع. والتي أحدثت فجوة وسجلت عقبات أمام الأمم المتحدة ، ولما كان من غير الممكن فصل العملية التي أثارتها أزمة المنطقة الحدودية بمنطقة الكركرات عن باقي الهياكل، أو اجزاء البنية السياسية والدبلوماسية في التعاطي مع النزاع. ومما فرض في صبر أغوار ما هو قادم في اطار دينامية النشاطات الدبلوماسية وأسس وإمكانيات التي يسمح بها نزاع الصحراء وظروف المجتمع الدولي وأقطابه المتنوعة والمتجددة، وفي نطاق لغة المصالح باعتبارها اهم وسيلة. ومقوماتها هي النبراس الذي يهتدي به في أي موقف حاسم له تأثيراته على مسار الملف وباقي المنطقة.

إن المواقف التي سجلت قبل وبعد صدور قرار 2351 تدعو إلى توقف عميق أمام مسيرة التسوية السلمية للنزاع بعد وقف إطلاق النار. وتعدد المبعوثين، بين من يتهم بانحياز للمغرب تارة. والأخر لجبهة البوليساريو وحليفتيها الجزائر تارة أخرى. وما تلاه من أحداث خصوصا في السنوات الأخيرة، وتنوع مقارباته. وفي الانتقال من الجلوس إلى طاولة المفاوضات العلنية إلى شق إنساني عن طريق تبادل الزيارات. وإلى ميدان حقوقي في سياق مرافعات مجلس حقوق الإنسان واللجنة الرابعة في الأمم المتحدة. أو اقتصادي بين مقاربة الإستراتجيات الكبرى في إطار مخطط التنمية الشاملة للإقليم بجميع المجالات على مدى خمس سنوات. أو طرح مشكل الاستفادة من الثروات مع ما يحمله في طياته من ارتباط المدافعين عنه بصلات بشركات أجنبية عملاقة في إطار الصراع حول مناطق النفوذ. وإلى استحضار سيناريوهات كانت مستبعدة في نشوب حرب، ومما جعل مصداقية الأمم المتحدة أمام المحك لتنشط الآلة الدبلوماسية بالدعوة إلى ضبط النفس، ورافقتها عودة المكون المدني السياسي للمينورسو بمزاولة مهامه. ونقاشات حامية الوطيس في تقويم مضامين القرار بين الجبهة المؤيدة للمغرب والأخرى المؤيدة لجبهة البوليساريو وحليفتها الجزائر.

وقد شكلت الخرجات الإعلامية واللقاءات الصحفية لمبعوث المغرب بالأمم المتحدة عمر هلال ذهنية جديدة في مقاربات التعاطي مع الملف بالموازة مع عودة الدفء للعلاقات المغربية الكوبية بالمقابل تصعيد غير مسبوق مع الدول المعارضة للموقف المغربي خصوصا فنزويلا و الجزائر بالإتحاد الإفريقي وصلت حد القيام بسلوكات منافية للعمل الدبلوماسي كما وقع مؤخرا عندما تم اعتداء على احد دبلوماسيين المغاربة.

وجاءت طريقة إقرار القرار وفق مقاربة مدركة لحقيقة الوقائع الدبلوماسية القائمة .ومتجاوزة للخلاف بين المتدخلين في النزاع على اختلاف مواقعهم، سواء كانوا دولا أو منظمات إقليمية أو دولية. والتي أضفت حمولة قوية على مضامين القرار 2351 وخصوصا في عودة الوضع إلى ما كان عليه وتثمين تجاوب المغرب مع الأمم المتحدة، بالمقابل التحفظ على مبدأ الإدانة لجبهة البوليساريو في عدم تعاطيها مع مقررات الأمم المتحدة من طرف بعض أعضاء المنتظم الدولي.

وبالإضافة إلى بداية تحول حلبة الصراع من معبر حدودي، وإلى إثارة مسألة قضية حماية الثروات. ولتبدأ فصول جديدة من المرافعات القانونية والقضائية ظاهرها تطبيق مقتضيات الاستشارات القانونية المرتبطة بها، وباطنها يحمل أكثر دلالة للصراع حول مناطق النفوذ والبحث عن موطئ قدم في المجال الجيواستراتجي. وذلك بنهج طرق دبلوماسية متعددة تتبنى مقاربات مختلفة بعيدة عن التمثيل والاتصال ومبدأ التوازن وإلى مستويات أبعد. وفي تعديل المستمر للمصالح والتموقع حسب الأهداف بالتركيز على مكامن القوة الناعمة.

وقد أصبحت الشفرة الدبلوماسية اليوم مرآة تعكس الواقع الدبلوماسي كونها تعبر عن الآراء والمواقف، وهي تتطلب دوما أمورا مستجدة. ولتسمح من تكوين فكرة عن العمليات والاتجاهات الدبلوماسية، سواء في تداخلها أو تنوعها. ومن الشواهد الحية والملموسة للقضايا والطروحات التي تبديها، ومالها من وظيفة فاعلة. وفي تحقيق الوظيفة التأثيرية الانفعالية وأثرها في العمل الدبلوماسي، لإنشاء دائرة دبلوماسية ناعمة وخطابية شديدة الرؤيا وقادرة على تغيير المعادلة الدبلوماسية بحسب القصد أو الهدف.

*باحث في الإعلام والعلوم السياسية