قضايا

المغاربة يحملون عبء أجسادهم بعذاب

الدكتور جواد مبروكي

كثيراً ما أشاهد المغربي يمشي وكأنه يحمل شيئاً ثقيلا وشكل جسمه ولمحات وجهه تبرهن أنه يحمل على كتفيه حِملاً ثقيلاَ افتراضياً وغير مرئيٍ، واستخلصت من ذلك أنه يحمل في الواقع عبء جسده بعذاب.

استطعت أن أصنف نوعين رئيسيين من العلاقة التي تربط الفرد المغربي بـجسمه. وسوف لا أتحدث هنا عن المراهقين، لأن لهذه المرحلة العمرية خصوصياتها.

1- الاستسلام لعبء الجسد: "شْفْتو ماشي مْهْرْولْ وْراسو فْالاْرْض تْقولْ هازْ هْمّْ الدّْنيا كُلْها"

هذا النوع هو الأكثر انتشاراً ويتميز بِرأس منحن بين 10 و40º بدل أن يكون مرفوعاً، وكتفين منحنيين إلى الأمام ونازلَين إلى الأسفل على شكل قوس، وكأن الشخص سيقع على وجهه، بدل أن يكونا مرفوعين على شكل مستطيل؛ والذراعان يتأرجحان بشكل مقلق وكأنهما لا ينتميان إلى هيكل الجسد، وإنما محمولان من الكتفين الهابطين بثقلهما بدل أن يتأرجحا حسب إيقاع ووتيرة حركة الجسم..والرجلان كأنهما مستقلان في حركتهما عن إرادة صاحبهما، ويمشيان بخطوات طويلة المسافة، ويلقيان بنفسيهما بعيدا ولا ينتميان إلى الجسم، وإنما يحملانه كبضاعة الشحن.

2- مقاومة عبء الجسد: "ماشي وْ هازّْ نِفُو لْلسّْما وْ راسُو لْفوقْ كاعْ مَكَيْشوفْ فالأرض وْما قَدّاهْشْ هادْ الدنيا"

في هذا النوع يغمر عادة الشخص الزهو والغرور ويحمل جسمه كممثل على خشبة المسرح، ويزن كل حركة وكل نظرة وكل كلمة، وحتى نبرة صوته. ويتصف هذا النوع بمواصفات عكسية لما عليه النوع الأول الذي رأيناه سابقاً.

المهم هو أن المغربي في عذاب مستمر مع جسده ويحمله كعبء ثقيل ويعيش داخله مثل السجين.. ولا داعي لأذكر في هذا المقال صراعه مع لون بشرته والبحث عن نعومة شعره رافضاً غلافه الجسدي الطبيعي.

إذن ما هي الأسباب التي دعت المغربي ليحمل عبء جسده بهذا الشكل، بحيث لم يعد يستطيع أن يعيش بداخله منسجماً معه؟

1- التربية:

هي من ناحية تأمر الطفل بعبارة "حْني راسْك وْ شوفْ فْلأرض"، وفي بعض الأحيان تأمره "هْزّْ راسكْ وْ شوفْ فِيَّ مْلِيّ نْهْضْرْ مْعاك"، وفي وضع آخر "إوَ زيدْ شوفْ فِيَّ وْ حْنْزْزّْ بْعْيْنِيكْ".. وكذلك تأمره بِـ "حْنِي عْيْنيكْ مْلِيْ يْهْضْرو مْعاكْ لْكْبار". وإلى كل هذا أضيف مسألة المبدأ المغربي الرفيع للتربية المعروف بـ"حْشومة". فكيف لهذا الطفل أن يجد توازناً في هذه الأوامر المتناقضة مع جسده؟

2- المقارنة:

المقارنات هي أفضل طريقة لتدمير الطفل معنوياً وجسدياً، مثل "شوفْ سْيادْكْ كِيفْ مْأْدْبّينْ وْ كيف لابْسينْ..."، أو حينما يسمع الطفل أباه أو أمه يصفان له طفلا من معارفهما أو على شاشة التلفاز، مثل "شوفْ عْلى غْزالْ أو غْزالة شوف عْلى زينْ شوف عْلى زْعورِيَّة شوف على شعر شْحالْ رْطْبْ شوف عْيْنيهْ شْحالْ زورْقْ...". في هذه المقارنة يرى الطفل أنه ليس ذلك "الغزال" الذي كان يتمناه والداه، وإنما هو سبب خيبة أملهما، بل هو لا شيء، وجسده لا يبهرهما. وهكذا ينظر الطفل لجسمه نظرة العدو ويسعى إلى تغييره بكافة الوسائل.

3- التربية الدينية بين "غض البصر" و"الله جميل ويحب الجمال"

هنا حسب التربية السائدة يتعلم الطفل أن غض البصر هو "حني عينيك وراسك"، وليس هو العفة والتقديس والنزاهة في النظر، وفي الوقت نفسه يُبرَّر أمامه عدم غض البصر بِـعبارة "الله جميل ويحب الجمال". فكيف للطفل أن يجد التوازن المنطقي بين هذه التناقضات؟

4- العنف على أشكاله

كيف للطفل أن يحب كيانه الجسدي الذي لا يُحترم ويُنتهك يومياً من والديه عند أدنى سهو أو خطأ؟ وهنا يتساءل الطفل "هذا جسد غير محبوب فيه" ويدخل في صراع معه ويتحول إلى عُقد حياتية.

5- الانتقاد و"المْعْيورْ" المستمر

"مالْكْ طْويلْ بْحال العْزّافَة" وْ"مالْكْ قْصير بْحالْ الجّْحْشْ" وْ"مالكْ غْليظْ بْحالْ البوطَة" وْ"مالكْ رْقيقْ بْحالْ سِّينْتَ" وْ"مالكْ كَتْمْشِى بْحالْ الفْكْرونْ" و"مالكْ كَتْمْشى بْحالْ النْعامَة" و"مالكْ مْحلولْ بْحالْ العْصيدَة أو الحْريرة"...

الجسد هو غلافنا وهو الهيكل الذي يمثل وجودنا وشخصيتنا، فإذا تم التهجم عليه بسموم الانتقادات يترسخ لدى الطفل أنه غير مرغوب فيه.. وكيف له بعد كل هذا أن يتعايش مع جسده في انسجام؟

6- غياب التربية الجنسية

كل ما يتم نقله للطفل هو أن الجنس يُنجس الجسد، فيقع لدى الأجيال الناشئة التناقض بين مفهوم الجسد كوسيلة للمتعة ومفهوم نجاسة الجسد وأن الطفل نفسه يأتي إلى الدنيا من عملية نجاسة. فكيف سيتقبل ذِهن الطفل جسمه المتولد من النجاسة؟

وقبل الختام أترك للقارئ الكريم أن يتأمل ويُعمل عقله وفكره ويستخلص ما شاء من هذا التحليل.