تحليل

هل تحتاج أزمة الريف لملتمسات الوساطة بين الملك والشعب؟

عبد المطلب أعميار

في سياق بعض المبادرات التي أقدمت عليها بعض الشخصيات المغربية للمطالبة بتدخل الملك في أزمة الريف، نطرح السؤال من جديد هل تحتاج أزمة الريف، أو غيرها من الأزمات الاجتماعية والسياسية، إلى وسطاء بين الملك والشعب؟.

إن خلفية سؤالنا، لا تعتزم المس بصدقية هذه المبادرات على الإطلاق، ولا إلى التنقيص من منسوب إحساسها الصادق باستعجالية التدخل الملكي، تماما كما يحس بذلك كل المواطنات والمواطنين، بل تستهدف تنبيه كل الفاعلين ، من مختلف المشارب والحساسيات، أن من مهامهم المركزية ألا يستعيضوا عن فشلهم الميداني و المؤسساتي، بحكم اختصاصاتهم ومهامهم،بالمطالبة بتدخل الملك، ومنهم من يمارس أصلا وظائف الوساطة بحكم مهامه الدائمة ،كأولئك الذين يمارسون العمل السياسي الحزبي منذ سنوات خلت، أو أولئك الذين يمارسون العمل الديبلوماسي، أوأولئك المختصون في رفع المشورة والفتاوى إلى حضرة الملك…هل استنفدوا كل هؤلاء مهامهم ليسلموا جميعا بأن آخر ما تبقى لهم، وهم أهل الحكمة واليقظة، إلا دعوة الإنقاذ الملكي.

إن الوقع السلبي لهذه المبادرات وهي أنها تكرس انطباعا سائدا لدى الرأي العام مفاده أن كل المؤسسات عديمة الفاعلية والجدوى، وأن الملك وحده هو القادر على التدخل لحل المشاكل التي أنتجتها النخب الفاسدة ، وأن جزءا من هذه النخب بعد فشلها الذريع في تأدية مهامها هي التي توقع اليوم على عرائض المطالبة بتدخل الملك، كما أن هذه المبادرات تخلق الانطباع لدى المواطنات والمواطنين بأن الملك ينتظر من المجتمع ملتمسات التدخل لكي يتدخل ، ناهيك عن كون هذه المبادرات، بالصيغة المعتمدة، تؤشر على أن البلاد فقدت عمليا كل المناعة المؤسساتية الكفيلة بترميم ما يمكن ترميمه،وأن آخر الأوراق التي يمكن اعتمادها وهو صيغة الملتمسات التي تطالب الملك بالتدخل في هذه الأزمة أو تلك.وفوق هذا وذاك، دعونا نتساءل…لماذا لم يجرب هؤلاء الموقعون على ملتمسات التدخل الملكي امتحان الوساطة المباشرة الميدانية مع إخواننا وأخواتنا في الريف؟، أليسوا من فصيلة السياسيين المحنكين، والمقاومين الأبرار، والمثقفين العضويين والمناضلين الوطنيين ، والديبلوماسيين النبهاء..؟. لماذا لم يجمعوا ملفاتهم، وحقائبهم ، وعلبات سجائرهم ، وقنينات مائهم المعدني ليتوجهوا إلى الحسيمة ليكتشفوا تضاريس المفاوضات هناك، في عين المكان؟، أليس منهم من يحمل أوسمة الاعتراف الوطني بدرجات متفاوتة؟ أليس منهم من يحمل ثقل تاريخه للجلوس مع شباب المغرب الجديد ليستمع لجراحهم وماسيهم؟، أليس منهم من يشهر فينا خطابه الثوري الحالم بالملكية البرلمانية الديمقراطية ليجد له موطئ قدم في جغرافية السياسة هناك؟.

لماذا يختبئ كل هؤلاء وراء الملك ويتناسوا أن الفصل 42 من الدستور يعفيهم أصلا من هذه المبادرات لأن نظام الحكم في المغرب نظام ملكية دستورية ، والملك هو رئيس الدولة ، ورمز وحدة الأمة ، وضامن دوام الدولة واستمرارها، والحكم الأسمى بين مؤسساتها…فهل يحتاج هذا الفصل لمن ينبه الملك لوظائفه واختصاصاته الدستورية؟.

لتقولوا للملك إذن لقد فشل اليسار واليمين والوسط، لقد فشلت الانتخابات ، لقد فشلت المؤسسات، لقد عجزت السياسة عن السياسة، لقد سقطت البلاد في العدم، لقد حرقنا كل أوراقنا ولم تبق إلا أنت أيها الملك،يا حامي حمى الملة والدين..لقد عجزنا عن تحقيق التوازن المطلوب في مجتمع يسير بسرعة تفوق سرعة تفكيرنا، ونسلم اليوم أمام حضرتكم بفشلنا الذريع في فهم ما يجري، أو بعدم قدرتنا على احتواء ما يمكن احتواؤه.

ربما قد لا يحتاج الملك لعرائض ليتدخل. وقد لا يحتاج لملتمسات ستفتح نقاشات عن طبيعة موقعيها ،وعن أسماء بعضها قد لا يعرف جغرافية الريف، ولامن أين يبتدئ التقطيع الجهوي لمنطقة ما زالت تجر وراءها آلام التاريخ الاستعماري وتاريخ المغرب المستقل…

ولأن ذكاء البلاد اكبر من هذه الملتمسات، وأكبر من عرائض توقع في صالونات الرباط، لنجعل ذكاءنا الوطني، وحسنا الوحدوي الفطري صمام أمان لمعالجة كل قضايانا المشتركة.