تحليل

مقاطعة بعض الدول العربية لدولة قطر بمثابة إعلان حرب

صبري الحو

تقديم:

يثير القرار الجماعي لمجموعة من الدول العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات والبحرين المتحدة ومصر واليمن، وليبيا، وموريتانيا والمالديف بقطع كافة العلاقات مع دولة قطر، وإغلاق الحدود معها، وإغلاق أجوائها ومياهها في وجه أسطول الطائرات والسفن القطرية بعلة دعمها للإرهاب، مجموعة إشكاليات على مستوى القانون الدولي، والتقاليد والأعراف الدولية الثابتة في العلاقات الدولية.

على مستوى الأعراف والتقاليد الدبلوماسية الدولية

نشوب الخلاف، أو وقوع سوء الفهم وظهور شقاق، وهو أمر مفترض على مستوى تدبير العلاقات بين الدول، يتم احتواؤه واستغراقه بالأولوية والأفضلية عن طريق آليات القنوات الدبلوماسية المعروفة، بدءا باستدعاء سفير الدولة طرف الخلاف، واستفساره عن محل الشكاية، والتظلم والاحتجاج، وانتظار حصول رد بعد تشاوره مع دولته، وحصوله منها على التوضيحات المطلوبة وتبليغها إلى الدولة المشتكية.

وفي حالة استنفاذ هذا الإجراء، واستمرار أسباب الخلاف، ومحل التظلم، فإنه يتم استدعاء الدولة مصدر الشكاية لسفيرها في الدولة المحتج ضدها من أجل التشاور معه، لما يحمله ذلك التدبير والتصرف من رسالة وبرقية باستمرار أسباب الانزعاج والقلق، ويعطي إشارة إلى كون التوضيح المعطى، أو التدابير المتخذة أو التزام الصمت، غير قمينة بتبديد أسباب التوتر والخلاف.

ولا تحدد الأعراف الدبلوماسية وقتا محددا تستغرقه فترة تشاور الدولة المتظلمة مع سفيرها، فقد تقصر أو تطول في انتظار حصول أجوبة أو اتخاذ إجراءات كافية من شأنها استرجاع الثقة المتضررة أو المتصدعة.

المقاطعة والحصار إجراءات عدائية وعقابية ردعية في مرتبة العمل الحربي

إن اللجوء إلى أسلوب قطع العلاقات المفاجئ، ودون سابق إنذار، ودون اتباع للإجراءات من طرف مجموعة كبيرة من الدول العربية المحاطة والمجاورة لدولة قطر، وتأييد دول أخرى لهذه القطيعة مساندة لهذه المجموعة، هو عمل عدائي في حد ذاته، ولا يمت بصلة للقواعد الدبلوماسية المعروفة دوليا لتسوية النزاعات والخلافات العارضة، الناتجة عن مجرد تصريحات تم التراجع عنها، وتم تكذيبها والدفع بفبركتها، أو حتى لمجرد اتهام لم يؤيد بدليل.

أكثر من ذلك، فإن نهج الحصار الذي اتخذته المجموعة العربية عبر إغلاق الممرات والحدود البرية بينها وبين دولة قطر، الأجواء والمياه على أسطول السيارات والشاحنات والطائرات والسفن القطرية، هو بمثابة عقوبات اقتصادية تضر بحرية التجارة، وحرية تنقل الأشخاص والبضائع الموقعة بين هذه الدول ودولة قطر في إطار تجمع دول التعاون الخليجي، الذي قطع أشواطا في إطار تعاون دوله، شعاره نبذ التدابير الحمائية. كما أن هذه التدابير يتم اتخاذها وفرضها عادة من طرف مجلس الأمن في حالة خرق دولة لميثاق الأمم المتحدة، وبعد استنفاد وعدم جدوى أسلوب المفاوضات والحوار، وبادرت مجموعة من الدول العربية إلى القيام بها في غياب مبرر ومسوغ يدعو إليها، ودون اكتراث لتبرير دولة قطر التي كذبت التسريبات ووصفتها بالمفبركة، ودون احترام تدرج الإجراءات وتراتبية التدابير من الأصغر إلى الأكبر.. ولا حُدد لقطر أجل أو ميسرة أو شرط لتدارك الأمر، والدخول معها في حوار جاد حول أسباب المشكلة، والسعي لتذليلها، بعيدا عن أسلوب التسرع والعجالة في إقرار إجراءات وتدابير ردعية، وعقابية وتنفيذها، ولا مراء الندم عليها في ما بعد؛ وهو أسلوب يلاحق ويميز العمل البيني العربي للأسف.

المقاطعة والحصار يعمقان الأزمة ويتركان إحساسا بعدم الثقة حيال أي مبادرة عربية

إن التدابير المتخذة من طرف مجموعة من الدول العربية في آن واحد ضد دولة قطر بالمقاطعة والحصار يعمق الأزمة، ويزيدها تعقيدا، سواء في ما تحدثه من شرخ كبير، وهوة عميقة، وتباعد ظاهر بينها وبين هذه الدول العربية، أو ما تتركه من مآس إنسانية، وآلام نفسية لدى الشعب القطري، وإحساسه بعدم الثقة وعدم الاطمئنان بدول جواره خاصة، وبالمجموعة العربية عامة.

الحصار يؤدي إلى فسح المجال لتدخل أجنبي

تشبه هذه المقاطعة في آثارها، وفي ما قد ينتج عنها، ما أسفر عن اجتياح عراق صدام حسين لدولة الكويت في بداية التسعينيات من القرن الماضي، وما أعقبه من تدخل غربي لازالت عواقبه تتجلى في العنف، والفوضى، وعدم الاستقرار الذي تتخبط فيه المنطقة حتى الآن، علاوة على ما نتج عنه من اختلال للتوازن بين الدول العربية وإيران، وبينها وتركيا، وبينها وبين إسرائيل.

وهي السيناريوهات نفسها التي تنفتح عليها هذه المقاطعة الحالية، والحصار الآني، إذ تجد إيران موطن قدم لتستشري في المنطقة، ومآلات ذلك على زعزعة استقرار المنطقة، وفرضية احتمال تطور الأمور إلى الأسوأ، وانفلاتها، وعدم التحكم فيها؛ وفي ذلك إضرار بمصالح الجميع دون استثناء.

الأزمة السريعة تنال من ثقة سنوات طويلة من العمل الجماعي

لم تستطع الدول العربية تحقيق، وبناء وإنجاح، أي تكتل على المستوى الجماعي، ولا على الواجهة الإقليمية في إطار تجمع دول التعاون الخليجي، ولا حتى في إطار العلاقات البينية في شكل ثنائي، لفشلها في تحديد معايير الإنشاء، والتأسيس، ولأن العقل العربي لا يؤمن بالتشييد أكثر من اعتقاده بالدمار، فلا الدول العربية اعتمدت المصلحة الاقتصادية كمبدأ يضمن استمرار العلاقات في إطار نفعي مادي، ولا هي أقامت وزنا لأسباب التكامل القائمة في ما بينها من أجل بلوغ التنمية، ولا أعطت قيمة للمشترك المتعدد والمتنوع بينها في تعزيز علاقاتها.

على سبيل الختم

الدول العربية تعيش انفصاما في شخصيتها، وازدواجية في خطابها، وتآمرا ونفاقا في ما بينها، وكلها عوامل تقتل كل اتحاد وتجمع وتعاون أو تشارك مجد ونافع، قبل قطف أول ثمار نضجه واكتماله.

فتستيقظ الدول العربية في ما بعد على وقع حجم الدمار والحطام الذي أوقعته بزلزال لمجرد تغير مزاج حكامها، وعوضا عن نقد الذات، وتحمل المسؤولية، فإنها ترجعه بسهولة إلى نظرية المؤامرة الغربية والأجنبية، البريئة من تبعات أفعالها.