تحليل

الديمقراطية بالمغرب: شروط وأعطاب ومقترحات حلول

عبد الصمد تمورو

قلت في مقال سابق لي تحت عنوان: " بيان من أجل المغرب" نشرته عدة مواقع إلكترونية بتاريخ 10 شتنبر 2016 أن على الضمائر الحية أن تهتم بالواقع الآني والحاضر، إلا أنه أيضا من واجبها التنبه والتنبيه إلى البعد المستقبلي الاستراتيجي بنزاهة ووضوح وشجاعة وتجرد عن التحيز والتعصب وتصفية الحسابات، وليس لأغراض نفعية، سواء الشخصية أو الفئوية. هذا لا يعني أن كل من كتب سطرا أو عرض فكرة فهو منظر عصره ومفتي زمانه، فكثرة الآراء تفسد الرأي الصحيح. على هذه الضمائر أن تكون فعلا قوة تفكيرية واقتراحية حقيقية، خلاقة ومتخلقة". ولذلك أكتب اليوم وفاء لهذه المبادئ ولهذا التوجه النبيل.

كما أنني دعوت إلى ضرورة تأهيل الحقل السياسي، وقدمت أفكارا ومقترحات من أجل بناء ديموقراطية على أسس تضمن تحقيقها، مع مراعاة خصوصية بلدنا من جهة ، ولضمان الحقوق والاحتكام إلى المؤسسات الدستورية من جهة ثانية. كما نبهت إلى أنه "قد تقف العملية السياسية، من حيث النزاهة والشفافـية عند صناديق الاقتراع، أي أنـه عندما يتم احترام اللوائح الانتخابية وشفافية الحملة الانتخابية ونـزاهة عمليـة الاقتراع، وهـذا ما نسميه " الصندوقراطية "، أي المرحلة الأولى من العملية السياسية. لكن يتبين أن الديموقراطية ليست نظاما مثاليا فقد تفرز تمثيلية متطرفة أو غير مقتدرة أو شعبوية ".

وبخصوص المواطن والنخب أكدت على أن "هنا تظهر أهمية وجود المواطن الممتلك للوعي السياسي بانتمائه إلى الوطن، والمنخرط في الدفاع عن رخاء ووحدة وكيان هذا الوطن، هو المواطن الذي نعنيه عندما نتحدث عن الديموقراطية. هذا المواطن هو الذي يفرز مجموعة من النخب – وليس نخبة واحدة – تتولى تدبير مفاصل التعاقد. لا تتكون نخبة ما، وهذا ما يجب أن يكون، إلا على أسس الكفاءة والنزاهة واحترام الأسس والقواعد المكونة للديموقراطية. من الضروري أيضا اعتراف المواطنين المعنيين بهذه النخب، لضمان النجاعة والفعالية. ( ).

يمكن اعتبار أن النخب هي الوساطة أو الجسر بين جمهور المواطنين وبين تحقيق حقوقهم ومطالبهم وآمالهم، إنها تمثل الوعي المكثف بالمواطنة والطريق المختصرة لإمكانيات الفعل. وكلما ارتفع الوعي السياسي للمواطنين انخرطوا أكثر في تدبير أمورهم ومراقبة أنواع الفعل داخل وطنهم، وحصلوا بالتالي على مناعة ضد الديماغوجية والتزييف والغش والفساد وكل الآفات التي تعترض العيش وفق القانون والعدل".

وقد بينت بعض الشروط النظرية والعملية الكفيلة بتحقيق الديموقراطية، وأهمها:

- أولا : تأهيل الإنسان، أي منحه مقومات ودعائم المواطنة (...)

- ثانيا : دعم وتثبيت الحريات والحقوق (...)

- ثالثا : تحقيق الشروط الفعلية للفعل السياسي بناء على الدعائم السابقة، أي خلق المؤسسات والآليات، وترسيم الحوار وجعل الخلاف بين الناس اختلافا بناءا، وتدبير هذا الاختلاف وفق آليات وقواعد تمنع الصراع والعنف والفوضى.

- رابعا : ضمان الشفافية والنزاهة والمراقبة في كل العمليات والمؤسسات المرتبطة بالفعل التدبيري للحياة الجماعية".

وأوردت ملاحظة تظهر أهميتها الآن أكثر وهي : " يمكننا الجزم بأنه لا فائدة من انتخابات أو مؤسسات ديموقراطية إذا لم يساهم فيها المواطن صاحب الوعي السياسي، وإذا لم ترسخ، بشكل جذري ولا رجعة فيه، إمكانية الفعل السياسي النزيه، وإذا لم تفرز نخبة سياسية مواطنة تم اختيارها بحرية على أساس الكفاءة والاستحقاق والأخلاق والقواعد التي تتطلبها الديموقراطية ".

كما تقدمت بعدة مقترحات لإصلاح الحقل السياسي مثل تأسيس المشهد السياسي على ثلاث أقطاب أو عائلات سياسية لتلافي البلقنة والتعددية المفرطة في الوضع الحالي، وأكدت أن على " هذه الأقطاب أن تتأسس حول مشاريع ومواثيق وبرامج سياسية واضحة، وليس على أساس اجتماع أشخاص، أو بسبب ظرفية انتخابية (. ) ". كما أشرت إلى ضرورة توفر رئيس الحكومة على أغلبية نيابية منسجمة ذات مشروع سياسي متقارب. كما أنه عليه " تشكيل حكومة ذات حقائب فعلية تمثل قطاعات فعلية، وتجنب تضخيم عدد أعضائها بجعل مديريات تتحول إلى وزارات شكلية أو قطاعية، أو بتنصيب وزراء لأسباب سياسية، مما يعطل المردودية والفعالية والنجاعة، ويثقل كاهل الميزانية بمصاريف لا منفعة منها ".

واعتبرت أنه من الركائز الأساسية لإصلاح الحقل السياسي وممارسة السياسة بالطريقة التي نتمناها لبلادنا لا بد من " تخليق الحياة السياسية وذلك باعتماد تشريع وتنفيذ حقيقي لمبادئ المسؤولية والمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب". وكذا لا بد من " احترام الحكومة لتعهداتها وتشريع الحوار الاجتماعي، والقطع مع مساوئ التجربة الحالية التي تعرضت فيها فئات عديدة للضرب والتنكيل في الشارع العام (...)، وأغلقت الحكومة في الأغلب الأعم باب الحوار أو حولته إلى فقاعة إعلامية بدون مردودية.

كما أشرت إلى بعض الإجراءات العملية التي على الحكومة الناتجة عن انتخابات 7 أكتوبر أن تقوم بها مثل بناء التكليف بالمسؤولية على الكفاءة والاستحقاق والخبرة والترشيد الفعلي للنفقات، سواء بالنسبة للمرافق العمومية أو الشبه عمومية، وبالنسبة للمجالس والمؤسسات الأخرى التي تتلقى ميزانية من الدولة، ودعم القدرة الشرائية وبرامج التشغيل، ومحاربة الفوارق، وجلب الاستثمار، ومراجعة القرارات الجائرة بخصوص رفع الدعم وأنظمة التقاعد والنظام الضريبي. وأيضا أنه على الحكومة المقبلة استكمال تنزيل مقتضيات الدستور الجديد بأسرع وقت واستحداث بعض المؤسسات الاستراتيجية التي لم يتم التفكير فيها أو لم تنشأ لأسباب جانبية.

يؤسفني أن ألاحظ اليوم أننا ابتعدنا أكثر عن هذه الركائز والأسس والمبادئ والمقترحات مما يستدعي منا وقفة أخرى لبيان الهنات والتعثرات والمزالق التي شهدتها بلادنا، وللتفكير أيضا في أنواع الإجراءات والسلوكات والحلول التي علينا اتباعها للنهوض بوطننا ولتحقيق آمالنا.

1. الأعطاب :

إلى جانب الأعطاب التي أشرنا إليها سابقا، أو في مقالنا السابق المذكور أعلاه، فإننا رصدنا أخطاء ضافية متعددة نذكر منها :

- تنامي نسبة العزوف السياسي بشكل مقلق في انتخابات أكتوبر الماضي.

- تأكد محدودية آلية تشكيل الحكومة، كما هي واردة في الدستور، على أساس الحزب المتصدر للانتخابات عوض تشكيلها بناءا على أغلبية برلمانية ( ولقد كنا نبهنا في حينها، أي أثناء إنجاز الدستور إلى هذا العائق وبخصوص الحالة التي وقعت بالذات).

- ضحالة وتأزم العرض السياسي المقترح لتشكيل الحكومة.

- هدر الزمن السياسي مما مس بمصداقية الانتقال الديموقراطي مع تكبد الوطن لخسائر سياسية واقتصادية واجتماعية.

- تدني الخطاب السياسي إلى درجات غير مسبوقة.

- تكوين حكومة، رغم توفرها على كفاءات فردية، مصابة بالتضخم من حيث العدد، لكن تنقصها العديد من الخصال الضرورية لحصول الفعالية والانسجام. كما أنها مكونة من أغلبية غير منسجمة.

- نقائص الحكومة ظهرت بينة في تضارب مواقف مكوناتها من عدة أمور مثل تدبير تعديل الميزانية الذي كان يضرب مصداقية القضاء والديموقراطية، أو بمشكل تواصل الحكومة ( إما غيابه أو تأخره أو تضاربه )، أو بخصوص مراجعة نظام التقاعد.

- عدم صلابة واستقرار قاعدة الأغلبية المكونة للحكومة، فهي مهددة بالسقوط في كل وقت بانسحاب مكون أو أكثر من مكوناتها، بل حتى من داخل حزب رئيسها تنادي بعض الأصوات بالانسحاب.

- واضح أن الحكومة، نظرا للأسباب السابقة، ونظرا لطبيعة هيكلتها لن تستطيع تدبير تحديات التنمية المطلوبة وذلك لتواضع وتهافت برنامجها، حيث أنها تسقط هي نفسها في أزمة عند ظهور أي أزمة مثل التصويت على الميزانية، أو في الخرجات الإعلامية أو في تدبير الحوار مع النقابات. وأكبر إخفاقاتها، رغم قصر عمرها، هو سوء تدبير الاحتجاجات المتعددة وعلى رأسها احتجاجات منطقة الريف وخاصة الفصل الأخير المتعلق بمنطقة الحسيمة. والذي يظهر ذلك بوضوح وجلاء أن المحتجين وكثيرا من المواطنين ومن الفعاليات الحقوقية والإعلامية والسياسية والثقافية وكذا كثيرا من المبادرات الفردية أو الجماعية عبر العرائض والنداءات واللقاءات وشبكات التواصل، يدعون إلى التدخل الملكي.

- قفز أغلب المبادرات ومقترحات الحوار أو الوساطة على المؤسسات الدستورية من برلمان وحكومة وحتى مجالس دستورية مثل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وكذا على الهياكل السياسية المركزية للأحزاب والنقابات وبعض مكونات المجتمع المدني، مع تفضيل واضح للفعل المباشر سواء في التعبير أو الاحتجاج أو في تدبير الحلول.

2. مقترحات :

هذه جملة أفكار أو مقترحات ليس الهدف منها تصفية حساب مع أحد ما أو تبخيس عمل أحد ما، إنها تهدف إلى المساهمة في النقاش العمومي لاستشراف مستقبل أفضل لوطننا، أوردها بدون استطراد في التحليل حتى لا أثقل على القارئ.

1.2 – مقترحات آنية :

-الإسراع بحل ملف المطالب المشروعة لساكنة منطقة الحسيمة والمناطق الأخرى بروح الإنصاف والمصالحة، وإحلال السلم الاجتماعي.

- اعتماد مقاربات حوارية تواصلية مؤسساتية على جميع الأصعدة.

- مراجعة الاختلالات في كل الميادين والمشاريع ومعاقبة المفسدين والمتلاعبين أو المتقاعسين.

- تسطير مخطط ثلاثي استثنائي، يراعي التنمية والعدالة الاجتماعية ورفع تحديات التعليم والتكوين والبنيات الأساسية والصحة ورفع القدرة الشرائية والأجور.

- تنزيل وتفعيل كامل لمقتضيات الدستور في الشهرين القادمين.

2.2– مقترحات مستقبلية :

- التفكير جديا في تعويض هذه الحكومة في حال فشلها في تدبير الملفات، وخاصة الاجتماعية والاقتصادية منها.( إما بحكومة مصغرة، أو حكومة ائتلاف وطني، أو بانتخابات مبكرة).

- التفكير في إبداع آليات ديموقراطية مباشرة تستلهم التجربة السويسرية من جهة والتجربة الفرنسية والألمانية من جهة ثانية، أي بين الاستشارة المباشرة وبين العمل المؤسساتي والحزبي وفعاليات المجتمع المدني.

- الحاجة إلى تعديل الدستور لتشكيل حكومة من أغلبية برلمانية منسجمة عوض الحزب المتصدر.

-لا بد من العمل على فصل حقيقي للدين عن السياسة، وهي مسألة بسيطة ما دام وطننا يشهد وحدة عقدية منذ القديم، مع أقلية يهودية.

- فصل حقيقي للمال عن السياسة بتقنين صارم لاستعماله.

- إنجاز ميثاق أخلاقي وقانوني للعمل السياسي وللأعمال والمهن.

*أستاذ الفلسفة بجامعة محمد الخامس بالرباط