رأي

عبد السلام الصديقي: ما العمل لتجاوز أزمة "الريف"

إن ما تشهده منطقة الريف، وإقليم الحسيمة على وجه الخصوص، من أحداث بالغة الخطورة والتعقيد يسائلنا جميعا كمغاربة، أيّا كان موقعنا وأيّا كانت مرجعيتنا الفكرية وقناعتنا المذهبية والسياسية.

ولا ينبغي البتة استصغار هذه الخطورة، لاسيما وأن "عدوى" هذه الاحتجاجات، رغم طابعها السلمي المهيمن، أصبحت تنتقل تدريجيا إلى مناطق وبلدات أخرى كانت تعتبر إلى عهد قريب "مناطق هادئة".

إن ما يدعو إلى القلق هو استمرار هذه الأحداث على مستوى منطقة الريف لمدة تزيد عن سبعة أشهر دون أن يكون هناك مخرج يلوح في الأفق القريب، وكأن ذكاءنا الجماعي أصيب بعطب ما!

فما الذي حصل يا ترى؟ وما العمل لتجاوز هذه الأزمة قصد الانكباب بجدية على المشاكل التنموية التي تواجه بلادنا حالا ومستقبلا؟

طبعا، لا يتسع المجال هنا لتناول الاشكالية في شموليتها، لقد كتب الكثير في الموضوع، وشاهدنا نوعا من التخمة في التحاليل والآراء والمقاربات، إلا أن الواقع بقي كما هو، إن لم يزد استفحالا وخطورة.

لا شك أن هناك عوامل داخلية وخارجية، عوامل اقتصادية واجتماعية، عوامل تاريخية وثقافية، وحينما يبلغ السيل الزبى يصعب على المرء أن يصنف هذه العوامل ويميز بينها، وهذا ما يعقد الحل؛ لأن التيارات الهوائية تتدفق من كل جهة. فبمجرد أن تملأ ثقبا، تفتح عشرات الثقوب.

حينما يجتاز بلد معين في تاريخه وضعية مثل التي يجتازها المغرب اليوم، على الجميع، أقول الجميع، أن يعي بالمخاطر وأن يعي أن نشوب النيران، لا قدر الله، ستأتي على الأخضر واليابس. ما يفرض علينا أن نضع خلافاتنا، مهما كانت حدتها وتناقضاتها، مهما كانت درجتها، على الهامش، أن نضع نصب أعيننا هدفا واحدا وموحدا (بفتح الحاء وكسره): مصلحة البلاد والحفاظ على تماسك الشعب المغربي ولحمته والتعبئة الكاملة وراء ملك البلاد لتوطيد الاستقلال الوطني وتعزيز مكانتنا على الساحة الإقليمية والدولية.

فالتهدئة التي ننشدها في منطقة الريف لا يمكن أن تتحقق دون التهدئة بين الفرقاء السياسيين، ووضع حد للتشنجات والاعتبارات السياسوية التي تزيد من تهميش دور السياسي وتبخيس الأحزاب السياسية.

إن ما يحدث أمام أعيننا عبر الشاشات والمواقع الالكترونية من" تطاحنات" متبادلة ومزايدات عقيمة، وتحميل المسؤولية لطرف دون آخر، لا يرقى إطلاقا إلى متطلبات الساعة.

فرجاء، عودوا إلى الرشد، وعودوا إلى العقل، فليس بيننا عدو، خلافا لما يتوهمه البعض، عدونا واحد: هو التخلف بكل تجلياته، بما فيه مع الأسف، التخلف السياسي.

فلنعلن هدنة وطنية نعمل خلالها مجتمعين على تحديد الأولويات، ونشتغل كرجل واحد وامرأة واحدة لبناء مغرب الحداثة والديمقراطية والتنمية المستدامة، وإسعاد هذا الشعب الأبي الذي قدم تضحيات تلو التضحيات، بدء بالنضال من أجل الاستقلال والنضال من أجل استكمال وحدتنا الترابية.

نحن كلنا معنيون.

* عضو المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية سابقا.