قضايا

شباب كئيب يبحث عن هوية !

مصطفى غلمان

لمثل حوادث التهميش الاجتماعي والإقصاء المتعمد للكفاءات الوطنية واستفحال علاقات الوساطة وعدم تكافؤ الفرص وفساد إدارات ومؤسسات التشغيل يصاب الشباب المغربي بالكآبة والانفصام الشخصي وفوبيا الخوف والعنف الاجتماعي النفسي ..

الانتحار الجماعي البطيء الذي ينظم خيط الحياة لدى شباب اليوم، يوائم حجم المتاعب والإرهاق العقلي واتساع الهوة بين الجامعة والشارع، إن على مستوى الواقع، بآفاته؛ حواجزه ومدلهماته، أو عبر فوارقه الشاسعة التي تخفي من ورائها غابات من الصلف والانحياز والظلم.

لم تستطع الدولة طيلة خمسة عقود إخفاء هذه المتاريس، فجعلتها في مقدمات استبدادها وجحودها، فكان أول الضحايا فئات الشباب الذين ركنوا للمهادنة أحيانا، ترويضا واستنكافا، وأخرى عن غير وعي بحجم المخاطر التي تترصد السلم الاجتماعي ووحدة الصف الوطني.

وفي كل مرة تستعدي قوى الظلام في خاصرة الاستبداد المخزني، يقظة العقل وانوجاده في صلب هبة الضمير الوطني وانتفاضته ضد سيرورات القهر والاستحمار ومقارعة الظلامية.

ويثور الشباب في عز الأزمات، وفي كل مرة يتلفع بفورات التذكير بسمو الكرامة الإنسانية والحق في العيش الكريم والدفاع عن الضرورات، فينكل به ويسلخ بالأغلال ويعلق في المشانق أو يخسف به تحت الأرض حتى لا تبقى له من باقيةَ!

وما سنوات الرصاص إلا واحدة من ممارسات الدولة لإسكات أصوات الحق وقتلها دون هوادة.

هذه العبر التاريخية تتكرر وتتكاثر ولكنها لا تتغير ولا يبدو أنها تنجلي عواقبها قريبا، فمعظم آفات الاضطهاد الاجتماعي حسبما ترسخه ماكينة استبداد الدولة تخرج من خلفيات تعطيل القانون وتقييد الحريات واستفحال مظاهر الفساد والإفساد وتقويض العدالة الاجتماعية والاقتصادية والاخلال بجوهرية الأخلاق والتعليم والصحة والتشبت بالقيم والمبادئ التربوية.

إن استعادة الإحساس باللاجدوى وبسوداوية منتوجنا الوطني القيمي، وبفراغ الضمير والعقل لدى شريحة واسعة من شبابنا لهو الطامة الكبرى والخطر المحدق بفعالية الخطاب لدى السلطة، بنجاعته في تدبير صورة الدولة، باندماجها في منظومة التواصل المجتمعي، في بنية منظومات الإصلاح المزعوم، في تتبيث الملاءمة بين الخطاب السياسي والواقع المأمول.

من حق شباب القرن الواحد والعشرين، بكل ما يحمله من شحنات زائدة تنضاف لسرعة التلقي التكنولوجي والمعلومياتي، ومن تفوق وعيه بمستجدات سيبرانية مواكبة للتطورات والأبعاد الكونية والثقافية المتعددة، من حقه أن يمارس قلقه الانطولوجي وانفعاله الزائد عن وضعيات غامضة ومتحولة، في اتجاه تقويض الغموض الذي يملأ جنبات محيطه المجتمعي وفردانيته المتحركة والمتعالية بمزيد مطالب لتحقيق أدنى حاجياته المادية والرمزية، بل الاسئثار بفرض قيمه الثقافية الجديدة على واجهة تكون إطارا لتوجهات خاصة، هي في العمق صراع معرفي وسوسيولوجي بقيمة حضارية وإنسية متجددة.

لقد أكدت كل الأحداث السياسية السابقة، منذ الاستقلال وإلى الآن، أن مبعث الشذوذ في امتصاص أزمات الشباب لا تتأتى من موئل الاحتواء للأزمات، كانت اجتماعية واقتصادية أو سياسية وتدبيرية أو حتى قيمية وأخلاقية، وإنما من الإمعان في تجاهل أسبابها ومسبباتها، وإغاضة النظر عن شرودها وخروجها القصدي عما يمكن فعله بازائها.

أصبح للعقل السياسي المخزني صبغات لا تنطلي على ألوان التعتيم وحشر كل أدوات السخافة والتسخير والمراوغة والتمييع، فكان مضرب الأمثال في تغليف السلطوية وإشباعها بما يليق من مناشف الزمن وارتداداته العشة. حتى تظهر وكأنها تقوم مقام القطيع في كل شيء، بل ترخص في كل شيء، حتى في مآل أجيال أرادت لوطنها أن يكتسي بالربيع وينفرد بالازهار كما نهضات شعوب وحضارات!؟

أما ما يحصل في الريف ونواحيه اليوم، فهو من مخلفات هذه المفازات التي راكمها مخزن دولة تتراخى وتتداعى تحت وقع تصدعات قيمية محضة.

تصدعات تغلف شقوق أمراضها وعلاتها بوابل من الكذب المأفون وترويع بيضة المجتمع الآمن وإخراس شبابه وتقييده وتشويه صورته.

أما ما يحصل في الريف ونواحيه اليوم، فهو من مخلفات هذه المفازات التي راكمها مخزن دولة تتراخى وتتداعى تحت وقع تصدعات قيمية محضة.

تصدعات تغلف شقوق أمراضها وعلاتها بوابل من الكذب المأفون وترويع بيضة المجتمع الآمن وإخراس شبابه وتقييده وتشويه صورته ..