رأي

لحسن حداد: لا للتراجع عن الخيار الديمقراطي

نحتاج اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى وقفة حقيقية وصارمة من أجل الديمقراطية ودولة الحق والقانون. انتخابات 7 أكتوبر 2016 عرفت إنزالا كبيرا للمال والسلطة والضغط الصادر عن جهات معلومة وسلطات وفاعلين كان يفترض فيهم الحياد والموضوعية. لقد كان إنزالا لصالح حزب معين ضد أحزاب معينة؛ إنزال رغم ضخامته وقوته، ورغم كميات الأموال الطائلة التي صرفت عليه (البعض منها نعرف مصادرها والبعض الآخر يبقى مجهول المصدر)، فقد باء بفشل ذريع، نظرا لوعي ويقظة المواطنين والأحزاب المتجذرة في أوساط الشعب، أو لعزوف المواطنين عن العملية برمتها ولتذمرهم من وجود رغبة مسبقة لفرض فاعل جديد تم إنزاله فجأة من السماء لا هوية ولا لون ولا طعم له إلا ما يعطى له من سلطة وجاه خارج قواعد اللعبة الديمقراطية.

الهجوم على الديمقراطية بدأ منذ سنوات، في محاولة لإرجاع عقارب الزمن إلى ما قبل الربيع الديمقراطي، لتدجين الأحزاب الديمقراطية ومحاولة نسف الأغلبية الحكومية، وفرض أجندات خارجة عن البرنامج الحكومي، وفرض أغلبيات مهترئة وهشة على المجالس الجهوية، وضخ مشاريع وأموال للجهات الموالية لتوجه معين. هذا التراجع عن الديمقراطية، بالإضافة إلى تنامي الفساد والمحسوبية، وانتظارات الشارع في ما يخص التشغيل والصحة والتعليم والأمن، زاد من الاحتقان الاجتماعي، فظهرت بشكل واضح بوادر الانفجار الاجتماعي ليس في الحسيمة والريف وحده، بل في كل المناطق التي تعتبر نفسها هامشية أو مهمشة أو منسية.

المعطى السوسيولوجي الجديد هو أن الريادة السياسة على مستوى العائلة والحي والقرية أصبح يقودها الشباب من الجنسين، وليس الشيوخ كما كان في السباق. الشباب متعلم ومتمكن من القضايا السياسية، يقوم بتأطير السلوك الانتخابي والاحتجاجي لعائلته ومجموعته برمتها، ولا يهاب لا السلطة ولا الشيوخ ولا الأحزاب المفروضة على الساحة السياسية. هؤلاء الشباب متشبعون بقضايا الوطن والديمقراطية، وهم خزان كبير لأفكار وسلوكات مهمة تجعلنا متفائلين بدورهم الريادي في المستقبل.

تجب معالجة الأزمة بكثير من الحكمة والتبصر. الأزمة عميقة، والمعالجة ينبغي أن تكون متعددة المحاور: سياسية، حقوقية، اقتصادية واجتماعية. على الفاعلين أن ينخرطوا بشكل صارم في تعميق وتحصين التوجه الديمقراطي. لم يعد معقولا ومقبولا إعطاء الأفضلية لأي فاعل مهما كان قربه أو اقترابه من الدولة، عميقة كانت أو غير عميقة. يجب إعادة تطهير العملية الانتخابية من مظاهر المال والفساد وشراء الذمم وضغط السلطة والإنزال السياسي. كل هذا بجانب العمل على تقوية دور الحكومة في تبني سياسات واضحة وتحمل مسؤولياتها، الأمر الذي يعد أساسيا من أجل رفع الضبابية عمن يفعل ماذا ومن يأتمر بأمر من.

وضع أزمة الريف يفرض معالجة القضية من جانب حقوقي في إطار مصالحة تاريخية، وإعادة تقوية وساطة الأحزاب التاريخية لمعالجة القضايا الاجتماعية والاقتصادية. وعلينا أن نقر بأن الوافد الجديد هو جزء من المشكل ولا يمكن أن يكون جزءا من الحل مهما فعل.

كما تجب تقوية دور المجتمع المدني واستقلالية القضاء والرفع من مهنية وحرية الجسم الصحافي والابتعاد عن التحكم فيه؛ فاختلاق الحملات للتهجم على الخصوم السياسيين سلوك غير حضاري ولا ديمقراطي.. ويتعين على معشر الصحافيين والإعلاميين ألا يقبلوا بأي محاولة تجعل منهم مجرد دمى متحكم فيها عن بعد.

أخيرا، لا مناص من التطبيع مع ما بعد الربيع المغربي.. لا يمكن للمغرب أن يحن إلى عهد ما قبل دستور 2011. تاريخ الأمم عنيد جدا، ونادرا ما يسير إلى الوراء.. يحدث ذلك فقط عندما يتقاعس الفرقاء (بوادر بعض التقاعس لمسناها في سكوت الفرقاء عن تجاوزات انتخابات 7 أكتوبر 2017). لا يمكن فرض فاعل مفبرك مصنوع بجميع الوسائل، رغم أن الشعب والأمة ترفضه.

تدجين الأحزاب وفرض قيادات مهترئة وشعبوية على رأسها، يشكل منبع خطر حقيقي على الديمقراطية وعلى دور الأحزاب الدستوري في تأطير المواطنين. ولا يمكن محو وجود أحزاب بعينها لأن إيديولوجيتها لا تروقنا أو زعيمها يقلقنا، بجرة قلم وبمزاجية غير مفهومة.

ما حاوله البعض ضد حزب معين موجود في الساحة منذ سنوات ومتجذر في أوساط الشعب لم يزد هذا الحزب إلا تجذرا وقوة. ويمكن القول إنه إذا تمادت الجهات المعلومة في حربها ضد هذا الحزب، فإنه سيحصد أغلبية مريحة لوحده في الانتخابات المقبلة، وسيبقى على رأس السباق.

أعيدوا حساباتكم رحمكم الله.

*نائب برلماني حاليا ووزير سابق.