رأي

عبد الغني القاسمي: الحسيمة في دوامة البحث عن الحل الأنسب

بعد تصاعد احتجاجات الحسيمة وانتقال عدوى ذلك الى امزورن و تفاعل أوساط داخلية و خارجية مع الأحداث التي لم تخل في مراحلها المتتابعة من استعمال العنف بين فلول المحتجين و الأجهزة الأمنية الموكل اليها حفظ الأمن و النظام المحليين ، لاحت في الأفق أحزاب سياسية و جمعيات مدنية كانت غائبة و قابعة في الظلمة طيلة سبعة أشهر مضت ، فاذا بها تحشر أنفها و توظف فضولها و تسعى الى تبني الاحتجاجات و الركوب عليها مستعينة في ذلك ببعض الأصوا ت الاعلامية ، و تبعا لذلك انبرت تتسابق و تتنافس مع مؤطري و منظمي الاحتجاجات ميدانيا على الزعامة و القيادة لتقدم نفسها كوسيط للحوار حول الحلول الممكنة لاخماد نيران الاحتجاج تارة و كناطق رسمي باسم المحتجين وتقمص دور المدافع عن مطالبهم تارة أخرى .
و عند زيارتي للحسيمة التي أشرت اليها فيما سبق ، لا زلت أذكر ما قاله لي أحد أصدقائي هناك من أن ما حدث و يحدث في المدينة و ما حولها هو نتاج تراكم من المشاكل التي ظلت تخضع لحلول ترقيعية يستفيد منها انتفاعيون و انتهازيون و خاصة في الصيد البحري و صفقات التجهيزذكرهم لي بالاسم ، و حيث انهم لم يشبعوا حتى الآن من اقتصاد الريع و هبات الدولة ، و لم يتواروا الى الخلف ، و منهم من يحاول حاليا الاستفادة من جديد و الادعاء الباطل بتمثيل السكان الرافضين لهم و المطالبين برحيلهم و لم لا محاسبتهم و محاكمتهم ، فكيف لا نرى في تصاعد الاحتجاجات و اتساع رقعتها أمرا طبيعيا ، وصديقي ريفي أصيل يعبر عن الحقيقة المرة التي لا يجرؤ غيره على التعبير عنها .
قلت له : من يزر الحسيمة في الصباح لن يصدق أنها عنيفة وشرسة و يسودها الغليان الى هذا الحد الذي تعكسه وسائل الاعلام ،انها مدينة هادئة و مضيافة و تضم الى صدرها الرحب كل قادم اليها ، ولكنها تعطيك صورة معاكسة عنها أحيانا في المساء ، حيث يحل بها القادمون من أجدير و امزورن و بني بوعياش الذين يشكلون أغلب الجموع المحتجة ، و باستثناء القاصرين المشاغبين المندسين وسط المحتجين ، فالمشاركون في الاحتجاجات مسالمون و مكتفون دائما بترديد مطالبهم الاجتماعية و الاقتصادية التي لا يجادلهم أحد في مشروعيتها ، ويصفها الملاحظون بالمعقولة و الطبيعية حتى يرفع سلوك التهميش و اللامبالاة و الاهمال الذي اتخذته الحكومات السابقة في تعاملها مع المنطقة .
خلاصة القول ، ان الحسيمة و ما حولها لازالت في دوامة البحث عن الحل الأنسب للانتقال من دائرة الاحتجاجات المتصاعدة يوما بعد يوم الى دائرة العودة الى الوضع الطبيعي المعتاد ، و أعتقد أن أي مواجهة بين الجهات المسؤولة في الدولة و الحركات الاحتجاجية الشبيهة بهاته يجب أن يخضع الخروج منها لحل يحكمه التوازن المتراوح بين الاستجابة للمطالب المشروعة للمحتجين و الحفاظ على هيبة الدولة ، و عندما أؤكد على المطالب المشروعة لا أعني بها التعجيزية أو الخارجة عن السياق أوالتي تتجاوز امكانات الدولة ، و الأمر هنا يتعلق بالجانب الأول في الحل .
أما الجانب الثاني في الحل المنشود فهو ايجاد الصيغة المرنة و السلسة التي تؤدي الى تسريع مسطرة التحقيق مع جميع المعتقلين و اصدار الأحكام التي يقرها القانون في حق المدانين منهم ثم تقديم التماس الى جلالة الملك يقضي بالعفو الشامل عنهم ، و الجانب الثالث من الحل يتمثل في وضع برنامج استعجالي لتنفيذ كل المشاريع التي يتضمنها مشروع التنمية المجالية للحسيمة منارة المتوسط و تطعيم هذا المشروع بانجازات اضافية مستمدة من الحوار الذي يجب فتحه بين الجهات المسؤولة في الدولة و سائر فعاليات المدينة و الاقليم ، و دون اللجوء لمثل هذا الحل بجوانبه الثلاث ستزداد الصعوبة في معالجة الأوضاع في الحسيمة و ما حولها بعد أن اتضح بأن الحل الأمني وحده لا يجدي .