رأي

سليمة فراجي: حراك الريف بين الهاجس الأمني والهاجس الحقوقي

تلتزم السلطات العمومية بضمان سلامة السكان وسلامة التراب الوطني في إطار احترام الحريات والحقوق المكفولة للجميع بقوة الفصل 21 من الدستور، ويتمتع كل فرد بالحق في سلامته الشخصية وسلامة أقربائه وحماية ممتلكاته، وعدم جواز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص علما أن رجال الأمن هم مواطنون يتمتعون بحق الحماية والسلامة الجسدية والمعنوية.

كما أن إلقاء القبض والاعتقال والمتابعة والمحاكمة والإدانة وتنفيذ العقوبات وتقديم طلبات العفو لا تتم إلا وفق إجراءات منصوص عليها في القانون مع التقيد بشروط المحاكمة العادلة وأنسنة ظروف الاعتقال، وتجنب المعاملة القاسية والمهينة أو الحاطة بالكرامة الإنسانية.

كما ركزت العديد من فصول الدستور على أجرأة مفهوم العدالة الاجتماعية عبر ضمان الحقوق الاجتماعية الأساسية لكل مواطن، كالتعليم والصحة والسكن والتشغيل، وخصصت حيزا مهما لملامسة الأوضاع المعيشية لبعض الفئات ذات الأوضاع الاجتماعية الخاصة، كالأطفال والشباب والنساء والمسنين والأشخاص ذوي الإعاقة؛ وذلك في محاولة لإعادة تأهيلهم وتسهيل إدماجهم في المجتمع عبر ضمان حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

لذلك يبقى من حق المواطن الاحتجاج في حالة تقاعس الحكومة عن القيام بهذه الأجرأة وما يستتبع ذلك من حرمان مواطني بعض الجهات من حقوقهم الاجتماعية المكفولة دستوريا، كل ذلك يمكن أن نسميه ملفا مطلبيا وصرخة جماعية من أجل توفير العيش الكريم، لكن لما تنزلق الأمور من حراك بأهداف مطلبية اجتماعية ناتجة عن تعثر مشاريع إلى بنية موازية وصراع بين الدولة والحراك نستنتج منه أن عامل المال، الذي مكن بعض تجار المخدرات المعروفين والمنادين بانفصال الريف، قد يكون محركه والباعث الدافع إلى تكليف بعض العناصر بتنفيذ الاعتداءات والمساس بالثوابت.

كيف يعقل أن يعمد رئيس الدولة في المجلس الوزاري إلى الأمر بالتحقيق في تعثر المشاريع المبرمجة خلال سنة 2015 وينتصر لمشروعية المطالب الاجتماعية والاقتصادية ويؤكد على تحديد المسؤوليات ومحاسبة المقصرين، وبالتالي يدعو إلى الكف عن التظاهر والانكباب على إنجاز المشاريع، وتبرمج العقول المدبرة الاحتجاج مباشرة بعد التدخل الملكي ويتم الاعتداء على 39 مواطنا من رجال الأمن كما يتم الاعتداء على المرافق العامة، كقسم المستعجلات وسيارات الدولة والممتلكات، بصفة ممنهجة وبارتداء الأقنعة، والرشق بالحجارة؟

إذا سلمنا بأن الاحتجاج كان يهدف إلى إطلاق سراح المعتقلين، وكنا نتغنى بدولة الحق والقانون، ألم يرتق الدستور بالقضاء إلى سلطة قضائية وهي مستقلة عن السلطتين التنفيذية والتشريعية؟ من حقنا بالطبع المطالبة باحترام شروط المحاكمة العادلة وأنسنة ظروف الاعتقال ونحن نعلم أن مئات المحامين تطوعوا مشكورين للدفاع عن المتابَعين، لكن هل من حقنا إعفاء متهمين من العقاب ضدا على المقتضيات القانونية وفصول المتابعة وحالات التلبس المرصودة بالصوت والصورة، كإضرام النار في الوثائق الرسمية واللواء الأحمر للمملكة ومختلف الأفعال المقترفة؟

هل بإمكاننا ان نتساءل إن كان القانون فوق القوة أو القوة والدعوة إلى الكراهية والتعصب وخلق الفتن والتآمر مع أعداء المغرب هي الأمور المقصودة؟

لكم طالبنا بالعدالة المجالية ونبذ لعنة المغرب غير النافع وانتقدنا اهتمام الدولة بمدار الدار البيضاء الرباط مراكش على حساب الشرق والريف والشمال، كم ناضلنا من أجل الكف عن اعتبارنا مناطق تأديب للمسؤولين أو خزانا ماليا لمحترفي التهريب، حتى ترقيم سياراتنا كانت تعتبر شبهة، لكن سايرنا منذ 1999 التغيير الحاصل وانطلاق الأوراش الكبرى والطرق السيارة من أجل فك العزلة.

وإن كان لبعض الجهات مطلبا، فإن لجهات أخرى مطالب جمة، لكن لا تصل إلى حد زرع الفتنة والركوب على المطالب الاجتماعية من أجل زعزعة استقرار البلاد والاستخفاف برموزها وإعطاء فرصة للأعداء التاريخيين للتدخل في شؤوننا ومحاولة تفتيتنا وبعث الشتات والعنف والتسيب في صفوفنا.

كلنا الريف، نعم! أسد وأشبال الريف، نعم! كلنا من أجل تحقيق عدالة مجالية ومحاسبة الحكومة السابقة والحالية والبرلمان وكل من ثبت تورطه في التقاعس عن إنجاز المشاريع المبرمجة، نعم! لكن سنكون كالبنيان المرصوص في مواجهة من يحاول أو سولت له نفسه المساس باستقرار المغرب وأمنه ووحدته الترابية !

*محامية برلمانية سابقا