قضايا

التعليم.. واجترار حلم الجودة المفقود

امحمد الخوجة

منذ زمن بعيد ونحن ندندن حول تحقيق تعليم يطمح إلى تكريس مخرجات جيدة تسهم في إرساء ركائز التقدم والازدهار ببلادنا لكن الواقع يشهد وبكل أسف أن ذلك ما هو إلا كمن يبحث عن حلقة مفقودة في فلاة.

توالت محاولات الإصلاح منذ فجر الاستقلال، وتشكلت لجن تلو لجن، وكلما جاءت لجنة لعنت أختها واتهمتها بالتقصير، والتنكر للوطن والمواطنين، بدءا من لجنة 1958م، ومرورا بالمطالبة بالتعريب والتوحيد والتعميم... وانتهاء بالميثاق الوطني، والمخطط الاستعجالي ثم أخيرا الرؤية الاستراتيجية للإصلاح 2015 ــ 2030.

إن المتأمل في خبايا الإصلاح لا يفتأ إلا أن يسجل العبث وعدم التخطيط وهدر المال العام، من أجل الإصلاح ولا إصلاح، هذه الكلمات قد تبدو قاتمة وسوداوية لكن واقع الحال يؤكد ذلك.

تكرار المطالب دون تحقيقها:

وسيرا مع ذلك نطرح السؤال، بل ربما تناسلت الأسئلة، ولم تجد جوابا شافيا كافيا، من تلك الأسئلة المقلقة، هل تم تطبيق بنود الميثاق الوطني؟ ألم يأت المخطط الاستعجالي الذي كلف المال الكثير، إلا ليجبر الكسر الذي شاب بنود الميثاق؟ ثم أليست أغلب الطموحات التي جاءت بها الرؤية الاستراتيجية كالمقاربة بالتدريس بالكفايات، ما هي إلا استنساخ لما طالب به الميثاق الوطني أيضا، وأعطيك مثالا أيها الغيور عن الإصلاح، من أًسُس هذه الرؤية، الجودة وتكافؤ الفرص، وذلك تماما ما نادى به الميثاق عبرمجاله الثالث، المتمثل في الرفع من جودة التربية والتكوين، وكذا المجال الرابع الذي يدعو إلى ضرورة التنظيم البيداغوجي، ولو شئنا لاستعرضنا جميع الأسس التي لها علاقة بمجالات الميثاق الستة، التي هي نفسها تتكرر بمضامين قد تبدو مختلفة، لكنها عند التأمل، تجدها كأنها هي، حقا إنه اجترار لإحراز حلم لم يشأ أن يتحقق.

ما نصيب المستوى الابتدائي من التأطير؟

ويحق لنا ونحن نتكلم عن الجودة، أن نطرق رؤوسنا تمعنا في حال برنامج تكوين مدرسين أكفاء، والمتمثل في سلك الإجازة المهنية، 10000إطار، هذا الجمع الذي كلف ميزانية ضخمة، في مقابل تكوين سنة واحدة، مع العلم أن هؤلاء الأطر في الغالب الأعم يتكونون حول برامج المستوى الثانوي وإلإعدادي، وهنا يطرح السؤال، أليس من الأجدى أن نكون أطرا لمستوى التعليم الابتدائي، لأنه هو الحلقة الأساس، في المنظومة التربوية، والشيء بالشيء يذكر، كيف يعقل أن نتعاقد مع أطر الإجازة الأساسية فقط، للتدريس بالمستوى الابتدائي دون توفر على تكوينات بيداغوجية وديداكتيكة، حتى وإن فكرنا في تكوينهم خلال فترة التدريس، أفليس ذلك ضرب من العبث؟؟؟، وللإشارة فإن التعاقد الأخير مع الأكاديميات كان الانتقاء مجحفا في حق أطر مكونين على مستوى الماسترات المتخصصة في التدريس، حيث ألغيت ملفاتهم، ومما يذكر أيضا أن بعض الأكاديميات لم تلتزم ببنود المذكرة الوزارية حيث اعتمدت كل أكاديمية ما يحلو لها فبعضها اعتمدت على الانتقاء الجهوي وبعضها اعتمدت الانتقاء الإقليمي، وتم قبول ملفات الإجازة المهنية التي في غالب الأحوال يتم تصدير أصحابها للتدريس بالتعليم الثانوي كما أسلفنا ،وللإشارة فإن توجه الإجازة المهنية قاصر على بعض التخصصات فقط ، وأما الإجازة الأساسية فإنهم غالبا ما يترشحون للتدريس بالمستوى الابتدائي وهم الذين لم يتلقوا أي تكوين يذكر في ميدان التدريس، وتلك هي الطامة.

من المسؤول؟

لن نغالي، إذا ما قررنا أن الأوصياء على هذا الميدان يتحملون كافة النتائج السلبية، التي ستكون نتيجة إرضاء أفواج من خريجي الجامعات، حتى يسكن غضبهم ويُتقى شر صراخهم وعويلهم.

مع العلم أننا لا نقصي كل من استغرق وقتا طويلا في البحث والتحصيل من أجل الحصول على عمل يقي شر الاستجداء والسؤال، لكننا نحرص على تكوين جيد وجاد لحاملي الشهادات، لأن التدريس عملية معقدة جدا لا يتقنها إلا من أفنى بعض عمره في البحث والتنقيب على المستوى علم النفس وعلم الاجتماع وعلوم التربية مع تكوين ميداني يجعل المقبل على التدريس يحتك بالفئة المستهدفة... فالمعارف وحدها لا تكفي، وبالغرض المنشود لا تفي.

لعل هذه الكلمات تكون مختصرة جدا، لكن تكفي الإشارة إلى هذا المنحى(استقطاب أطر دون تكوين للتعاقد) والذي اختاره أهل القرار حيث يبدو أنه منحى خطير قد يكلف مالا يحمد عقباه، والغيور على هذا الميدان لا يملك إلا أن يرفع عقيرته ليقول أيها المسؤولون عن القطاع اتقوا الله في أبناء هذا الوطن.