رأي

عبد اللطيف مجدوب: استحقاقات المواطنين

مدخل عام

في إطار "حراك الريف" وما أفرزه من احتقانات شعبية على مدى بضعة أشهر، وما كان لها من تداعيات ؛ كشفت عن أورام سرطانية تعاني منها الإدارة المغربية على أكثر من صعيد ، وعلى رأسها "قضية التماطل" في تنفيذ مشاريع بملايير الدولارات؛ كان صاحب الجلالة محمد السادس قد ترأس فعليا مراسيم توقيعها بشراكة مع عدة قطاعات وزارية .. لاحظ الرأي العام الوطني بكثير من الاندهاش والأسى تأخر أشغال هذه الورشات بنسبة تفوق 90% ، في فترة كان يفترض فيها تقدم الأشغال وإشرافها على الانتهاء مع مطلع السنة القادمة 2018 .. ثلاث سنوات من التماطل ، وهو ما أثار حفيظة الملك في اجتماعه الأخير بالحكومة وإصداره لأمر التحقيق في قضية هذا التباطؤ ، علما أن هناك مشاريع في عديد من المناطق المغربية ؛ وقف الملك نفسه على اختلالات مست جوانب تدبيرها أو التماطل في تنفيذها؛ في وقت ما زلنا جميعا نستحضر بكثير من الأمل الخطاب الملكي الأخير والذي خصص معظم فقراته لقضية إصلاح الإدارة ، وضرورة تقريبها من المواطن، ودفعها لتعويضات عن كل تأخير وتماطل في علاج الملفات .

ملفات مكدسة طالتها آفة انتظار الانتظار !

كم هي الملفات الإدارية والمالية القابعة في رفوف الدوائر الحكومية تنتظر البت فيها والإفراج عنها ؟ إنها تعد بعشرات الآلاف ؛ تتعامل معها الإدارة بإيقاع جد بطيء وفقا "لنظام التسويف والتماطل" أوجده المشرع المغربي كجهاز تصفية Filtre في كل تشريع يخص نظام التصديق على الميزانيات ، والأمر بالصرف ، ودفع المستحقات ... فكل ملف يحمل صفة تسوية مالية أو إدارية أو هما معا يصطدم بهذه الآفة والتي ينص عليها المشرع بهذا الشرط "في حدود الإمكانيات المتوفرة " ، ويعني أن هذه الدولة لا تمنح الحقوق إلى ذويها إلا في حدود إمكانياتها ، ويعني في المقابل أن على المقاول والموظف .. الانتظار ثم الانتظار وقد يستغرق انتظاره سنوات ....!

فيروس "في حدود الإمكانيات المتوفرة"

تتشبث الإدارة المغربية ببند من البنود التشريعية التي ورثتها عن العهد الكولونيالي ؛ وهو الإمعان والإصرارعلى أن يظل المواطن دائما في "حالة انتظار" أمام مستحقاته وجهود عمله . وهو جوابها المفحم الذي تتشدق به أمام كل إصرار من المواطن على المطالبة بحقوقه ، وتنفيذ الدولة لالتزاماتها . "في حدود الإمكانيات المتوفرة" وكأن هذه الإمكانيات تتوفر فقط أمام مجالات "حيوية" ... ولا تتوفر إزاء مجالات لا تراها كذلك ؛ كدفع المستحقات لأصحابها أو ذويهم مما ينجم عنه تعثر في عجلة التنمية السوسيوقتصادية ، وتفضي بالكثيرين إلى الشعور بالإحباط وعدم الثقة في الإدارة المغربية ، فضلا عن توليد ثقافة التقاعس عن العمل والانضباط فيه ..

نموذج لهذا التماطل الإداري

يكفي فقط للتدليل على هذا التماطل الإداري أن نسوق ملفا كنموذج بالمواصفات التالية :

أكثر من ثلاثة آلاف 3000 من الأطر التعليمية بين مفتشين ومشرفين على التخطيط وأساتذة بالمراكز التربوية الجهوية ، ما زالوا ينتظرون مستحقاتهم المالية عن تعويضات التداريب التي زاولوها بعديد من المراكز الوطنية والجهوية منذ 1985 ، أفرجت الإدارة فقط على آخر دفعة إلى غاية سنة 2012 ، ولحد الآن ما زال آخرون (قرابة 3000) ينتظرون ، والدولة تواجههم دوما بجملة محبطة :"إمكانياتنا حاليا لا تسمح بدفع كل المستحقات ، فعليكم بمزيد من الانتظار"

التسريع في الخدمات الإدارية أو الإدارة الذكية

كلما تم تنصيب حكومة جديدة إلا وتسارع إلى طبخ "برنامجها" على وقع عدة وعود لتمطر بها المغاربة "كتخليق الإدارة" ، "وتقريب الإدارة من المواطنين" واللا تمركز .. والجهوية المتقدمة ... وتظل كلها حبرا على ورق في بيئة تواصلية عالمية ؛ قطعت منذ عشرات السنوات مع الإدارة التقليدية المقيدة بعدة إجراءات مسطرية معقدة ، وإحلالها للإدارة الذكية التي تستجيب لحاجيات المواطنين في زمن قياسي؛ أصبحت مختصرة في دقائق معدودة ، للمساهمة فعليا في رفع إيقاع عجلة التنمية بدلا من تعطيلها بالساعات الطوال والأيام والسنوات كما الحال عندنا.