رأي

محمد معروف: لاستجمام العشائري بالمغرب: شاطئ الواليدية نموذجا

محمد معروف

عند حلولنا بشاطئ الواليدية يوم الأحد 16 يونيو، فوجئنا بطريقة اصطياف عشائرية فوضوية، لا علاقة لها بالأساليب الراقية في الاصطياف التي تحافظ على مقومات الاستجمام. ويتجلى الاستجمام نظريا في إيجاد ظروف الراحة وسياحة البصر في مناظر البحر والاستمتاع بأشعة الشمس، بل هناك شعوب تستأنس بالكتاب والقراءة للحفاظ على هدوء الشاطئ والإصغاء إلى صخب الأمواج بين الفينة والأخرى.

تلك هي المقومات الغائبة بشاطئ الواليدية الذي شهد اليوم زحف ساكنة عبدة ودكالة، حيث تناثرت المظلات الشمسية، كما تصاعدت أعمدة الدخان فوق الشاطئ، وكأن السائح منا يتجول بحي صناعي تقوم معامله بإنتاج مواد كيميائية، لكنها في الواقع هي مشاوي السردين على شاطئ الواليدية تلوث الرمال والجو والماء. فبالرغم من طزاجة الأسماك ولذتها في الأكل، هل يعتبر هذا مبررا مقنعا كاف لتحويل الشاطئ إلى دخان متصاعد ومزابل عظام ورؤوس أسماك مشوية هنا وهناك، ورمال فقدت لون الذهب ليكسوها رماد أسود؟

أين نحن من الاصطياف في الدول المتقدمة التي ترسم مظلاتها الشمسية وكراسيها ومصطافيها لوحات هندسية فوق رمال ذهبية، بممرات ومساحات فارغة بين المصطافين حتى لا يزعج بعضهم البعض؟

ما شاهدناه يوم الأحد هو اصطياف عشائري بامتياز تطغى عليه سمات القبيلة؛ إذ إن أغلب المظلات الشمسية تأوي نفرا من حوالي عشرة أفراد على الأقل، يجلسون في أشكال هندسية مبعثرة فوق الرمال، دون ممرات أو مساحات فارغة، والكل منهمك في الأكل والدردشة أو الدربكة والغناء، ناهيك عمن ذهب إلى السباحة أو لعب كرة القدم بعد التهام المشاوي.

تصوروا لو نزل سائح أجنبي إلى شاطئ الواليدية! سيتفاجأ حتما بسلوك قبلي غريب، يتجلى في ترحيل أثاث وأواني المنازل إلى الشاطئ؛ فهناك من الأسر الممتدة التي رحّلت متاعها إلى الشاطئ من “كاشات” ووسادات وغيرها من الأواني المطبخية، وهكذا تحولت المظلات الشمسية إلى بقع تم رسم حدودها بالقماش، وتأثيثها من الداخل بالفراش والأغطية، ثم وضعت المجامر أو صنعت من الحجر فوق الرمال على جانب البقعة، وبدأ شيّ السردين، أو طبخ الطاجين. ومن خلال مسح سريع للوجبات التي يتم تحضيرها من طرف المصطافين على الشاطئ، هناك مشاوي السردين أو طواجين الدجاج المحمر.

وخلال جولتنا بالشاطئ، لم ترمق عينانا ولو كتابا واحدا، مما يدل على أن الهدوء والتأمل فارقا الحياة على شاطئ غمرته أمواج الضوضاء ولوازم الأكل ومزابله، هكذا انقسم المشهد بشاطئ الواليدية إلى جموع تدردش وهي تلتهم السردين أو الدجاج المحمر، أما من انتهى من الأكل، فينهض للعب الكرة أو السباحة في البحر، وقد ينزوي بعضهم فوق المناطق الصخرية لتدخين الكيف، أو قضاء لحظات رومانسية مع صديقة.

ما هي نتائج هذا الاصطياف العشوائي غير المنظم؟ أولا، هناك عبث المصطافين بنظافة الشاطئ وتلويثهم للرمال والبحر. ثانيا، ترسيخ مفهوم الجمهرة والازدحام كنموذج سلوك اجتماعي مقبول وإعادة إنتاجه في الفضاء العام عوض خلق جو من الانضباط والاصطفاف باعتبارهما بدائل سلوكية ممكنة.

إن السؤال المطروح هنا: أين دور مؤسسات الدولة والمجتمع المدني لتأطير عملية الاصطياف؟ أين تدخل المستثمر لتنظيم عملية الاصطياف في ديناميكية اقتصادية قابلة للاستهلاك وفي متناول الشرائح الاجتماعية التي تزور الشاطئ؟

على شاطئ الواليدية، مع الأسف، يتبخر الحلم بمجتمع منضبط يمشي بخطى ثابتة نحو تغيير فوضى الازدحام في الفضاء العام… بل على العكس، يظهر المجتمع على هذا الشاطئ منهمكا في الأكل والهرج والمرج، يعبث بنظافة الرمال والبحر، مما يبين بالواضح أن المؤسسات والبنيات الاجتماعية غائبة، ولا تقوم بدورها في تمرين العضو الاجتماعي على الانضباط والاصطفاف واحترام حق الآخر في تقاسم الفضاء العام: هذا هو “وحش الغابة” بامتياز في أغنية الأمير نظيف.

إن فوضى شاطئ الواليدية هو مرآة منكسرة صادمة لما يقع في الإدارات المغربية من فوضى الازدحام، خصوصا في المقاطعات والجماعات، ناهيك عن الأقسام التعليمية المكتظة، وغيرها من الأماكن العامة. ولا يجب أن ننسى في الأخير أن نشير إلى أن معظم الأعضاء الاجتماعيين قد تمرّنوا جيدا على خطاطة الازدحام منذ نشأتهم الأولى في بيوت عشائرية ممتدة مزدحمة، وفي نظام قبيلة مخزنية، تعتمد إدارتها على الجماعة والتحالف في بناء العلاقات الاجتماعية.