قضايا

تاريخ الأندلس في كلمتين

عبدالسلام حيدر (كاتب ومترجم مصري)

أولاً: لفظ "الأندلس" معربٌ في الغالب من لفظ "الوندال" الذين يسمون في اللغات الأوروبية "الفاندال" أو "الفاندالوس"، وهذا النطق على الأرجح لبربر طنجة.
ثانياً: يمكن تقسيم تاريخ الأندلس لسبعة عصور:

(1) فتح الأندلس:

استمر لأربع سنوات 92 - 95هـ/711 - 714م) وتم بجيش لم يزِد على ثلاثين ألف مقاتل.
في البداية كانت الخطة المحكمة لموسى بن نصير، ثم كان عبور طارق بن زياد في شعبان 92هـ - أبريل/نيسان 711م بجيش يقدر بسبعة آلاف جندي خاض به معركة وادي لكة مع جيش القوط في 28 رمضان سنة 92هـ/ 18 يوليو/تموز 711م، واستمرت المعركة ثمانية أيام، أي حتى 5 شوال سنة 92هـ/26 يوليو 711م. واستخدم فيها طارق أسلوب حرب العصابات، وبعد القضاء على جيش القوط الضخم لحق موسى بن نصير بطارق ثم سار الفتح بسهولة، أو مثل نزهة، كما يقول الإسبان.

(2) عصر الولاة:

استمر لمدة 44 سنة تقريباً 95 - 138هـ/ 714-755م، حكم فيه الأندلس 20 والياً، أولهم عبد العزيز بن موسى بن نُصير: (95 - 97هـ/714 - 716م) وآخرهم يوسف بن عبد الرحمن الفهري (سنة 138هـ/ 755م) وكانوا يعينون في الغالب بواسطة والي إفريقية والمغرب ومقره القيروان.

وفي هذا العصر لا بد من الاهتمام بهجرة العرب والبربر، وانتشار الإسلام (دخول التابعين، والزواج المختلط)، ثم فتوح المسلمين خلف جبال ألبُرت (البرانس).

ومن أبرز الأحداث في هذا السياق: السيطرة على ولاية سبتمانيا (وكانت تشمل الريفيرا الفرنسية والإيطالية وجزءاً من منطقة جبال الألب السويسرية)، وكذلك الوصول إلى مدينة صانس Sens: على بعد 70 كيلومتراً جنوب باريس) (شعبان 107هـ/725م)، وهذا أقصى حد بلغته جيوش الإسلام في الغرب، ثم واقعة بلاط الشهداء (سنة 112هـ/730م)، وثورة البربر في المغرب والأندلس: (122 - 125هـ - 739/740 - 743م).

(3) عصر الدولة الأموية الأندلسية:

بدأ بدخول عبد الرحمن بن معاوية (الداخل) إلى الأندلس (سنة 138هـ/755م)، وقد ارتكب الداخل خطأً فاحشاً بأن سحب القوات من جنوب فرنسا وترك ولاية سبتمانيا، مكتفياً بشبه الجزيرة الأيبيرية، ومن ثم تقدم الفرنجة وأخذوا سبتمانيا وأصبحوا بذلك على حدود الأندلس مباشرة، ويمكن تقسيم مرحلة الدولة الأموية الأندلسية لمرحلتين:

(أ) مرحلة الإمارة: واستمرت لقرابة القرنين (138 - 316هـ/ 755 - 928م) وحكم إبانها سبعة أمراء، أولهم كما سبق عبد الرحمن الداخل (138هـ - 172 هـ/ 756م - 788م)، وآخرهم عبد الرحمن الثالث (الناصر).

وفي هذه المرحلة كان دخول مذهب الإمام مالك إلى الأندلس وهو ما قضى على مذهب الأوزاعي. وبرزت شخصيات شهيرة مثل: زرياب (علي بن نافع) (238هـ/ 852م)، وعباس بن فرناس (190هـ/805م - 260هـ/873م).

(ب) مرحلة الخلافة: وتبدأ من إعلانها عام (316هـ/928م) على يد عبد الرحمن الثالث (الناصر) وحتى إلغائها على يد ابن جهور (عام 422هـ/1031م).

وإبان هذه المرحلة حكم كل من: عبد الرحمن الثالث (الناصر): (316 - 350هـ/ 912 - 961م) صاحب إعلان الخلافة القرطبية.
والحكم الثاني (المستنصر): (350 - 366هـ/961 - 976)م وفي عصره كان نهوض العلم والفلسفة وازدهار صناعة الورق.
وهشام بن الحكم (المؤيد بالله): (366هـ - 399 هـ /976م - 1009م) وبسبب صغره وضعفه كانت سيطرة الحاجب المنصور بن أبي عامر وأسرته على الخلافة، وفي عهد ابنه الثاني كانت الفتنة المبيرة والمجاعة التي ضربت قرطبة.

(4) عصر ملوك الطوائف:

وفي هذا الوقت قام فقهاء قرطبة وساستها بقيادة ابن جهور بارتكاب إحدى أكبر الجرائم في تاريخ الأندلس وذلك بإلغاء الخلافة القرطبية (عام 422هـ/1031م). وكان الإلغاء إيذاناً بتفكك الأندلس إلى حوالي 22 دويلة والجيش الواحد إلى 22 جيشاً متحاربة.

وقد استغرق عصر ملوك الطوائف الفترة من عام (422هـ/1031م) حتى عام (484هـ/1091م) وكان من أهم دويلاته إمارة إشبيلية (أسرة ابن عباد) وإمارة قرطبة (حكومة الجماعة الشورية في سنة 423هـ/ 1031م).
ومن أبرز شخصيات هذا العصر: ابن حيان القرطبي (377 - 469هـ/987 - 1076م)، وأبو الوليد بن زيدون (394 - 463هـ/ 1003 - 1071م)، وابن حزم الأندلسي (384هـ/994م - 454هـ/1063م)، والمعتمد بن عباد (431هـ/1039م - 488هـ/1095م).

أما أبرز حدث في هذه الفترة فكان سقوط طليطلة بسبب الغباء وعن طريق الخُدعة سنة (478 هـ / 1085م) وبسبب هذا السقوط ضاع ثلث مساحة الأندلس تقريباً، ومن ثم انقلبت الحالة العسكرية في شبه الجزيرة الأندلسية لصالح الممالك المسيحية التي كانت تتوحد بسعي الكنيسة الكاثوليكية، وتتقدم في التعدين والتسليح.

ومذاك تحول الأندلسيون المفككون من الهجوم إلى الدفاع (الفاشل) واحتاجوا للمساعدة المغربية، حيث دفع سقوط طليطلة بالمعتمد بن عباد لطلب معونة يوسف بن تاشفين (أمير المرابطين) وقال في تعليل ذلك "رعي الإبل خير من رعي الخنازير".

(5) عصر المرابطين والموحدين:

بوصول ابن تاشفين إلى الأندلس بدأ عصر المرابطين ثم الموحدين الذي استمر من عام (484هـ/1091م) حتى عام (620هـ/1223م).

منذ هذا العصر أصبحت الأندلس ولاية تابعة للمغرب، وأصبحت الأوضاع التاريخية للمغرب والأندلس واحدة؛ لأنهما كما يقول حسين مؤنس، أصبحتا في معركة مصير واحدة أمام الغرب الأوروبي الصاعد، حتى في عهد المرينيين، وعندما توقف المغرب عن التدخل في شؤون الأندلس بعد "معركة طريف" استمر التحام المغرب والأندلس في مصير واحد؛ لأن إسبانيا والبرتغال أقبلتا تهاجمان سواحل المغرب.

ومن أهم أحداث هذا العصر: معركة "الزلاقة" في (12 رجب سنة 479هـ/1086م)، والقضاء على ملوك الطوائف سنة 483 هـ/ 1090م، وسيطرة الموحدين على مراكش والقضاء على دولة المرابطين سنة 542 هـ/1147م، ودخول الموحدين الأندلس (546 633 هـ/ 1151- 1269م)، وابن طفيل يقدم ابن رشد للخليفة الموحدي أبو يعقوب يوسف الذي يكلفه بشرح أرسطو (564هـ/1168م)، و"موقعة الأَرَك" عام 591 هـ/1195م، محنة ابن رشد ونفيه إلى أليسانة (592هـ/1195م)، وهزيمة أبو عبد الله (الناصر) فى معركة (حصن العُقاب) سنة 609 هـ/1213م، والانهيار المروع للموحدين بالأندلس في "موقعة العقاب" سنة 609هـ/1212م وعقب هذه الهزيمة الساحقة تسابقت قشتالة والبرتغال فى الاستيلاء على مدن الأندلس الكبيرة الواحدة تلو الأخرى:
بطليوس (626هـ)، وقرطبة (633هـ / 1236م)، وبلنسية (636هـ/ 1238م)، وقرطاجنة (640هـ)، ومرسية (641هـ)، وجيان (644هـ)، وإشبيلية (646هـ / 1248م)، وشاطبة (647هـ)، وبذلك فقدت دولة الإسلام بالأندلس معظم قواعدها خلال ثلاثين عاماً فقط: (626 - 655هـ/ 1267م).

(6) مملكة غرناطة:

بعد هذا الانفراط المروع اضمحلت دولة الإسلام في الأندلس إلى الجنوب، وتحديداً في مملكة غرناطة (دولة بني الأحمر بشعارها الشهير "لا غالب إلا الله").

وفكر عدد من زعماء المسلمين في كيفية تثبيت الوجود الإسلامي بالأندلس والمنحصر في مملكة غرناطة، وبالفعل نجحوا في ذلك واستمرت مملكة غرناطة قائمة لأكثر من قرنين (636 - 897 هـ/ 1238 - 1492م) متحدية الضغوط الإسبانية المتعاقبة ويرجع صمود هذه المملكة لهذه الفترة الطويلة لعدة عوامل، منها:

التجاء كثير من المسلمين في الأندلس إليها، ومساعدة ملوك دول المغرب العربي، وخاصة ملوك الحفصيين وملوك بني مرين، وحالة الصراعات الداخلية والتفكك الذي ساد ممالك إسبانيا النصرانية، ووجود قيادة قوية وحكيمة من ملوك بني الأحمر.

ولكن عندما حل بينهم النزاع والعداوة ذهبت ريحهم؛ حيث عادوا لنفس الأخطاء التي يكررونها لأكثر من أربعة قرون، وكأنها لعنة حلت عليهم، وكانت بالترتيب نفسه: النزاع، فالاستعانة بالأعداء على بعضهم البعض، ثم ذهابهم جميعاً، وسيطرة الأعداء على ما كان لهم، وهذا أمر مكرر برتابة غريبة.

فمع الوقت ضعفت الحمية ولم يكونوا يستعدون جيداً، وينتظرون الإعانة من مسلمي المغرب، وبالفعل أنقذوهم مرة تلو أخرى، وعندما توقفوا لظروف عديدة، حقت على الأندلسيين سنة الله الكونية: "وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" (الأنفال، 46).

(7) التنصير والطرد النهائي:

وبعد أن انتهى الحكم الإسلامي للأندلس وذهب سلطان المسلمين السياسي (تسليم غرناطة سنة 1492م) بقي عدة ملايين من المسلمين هناك يعانون من عمليات الاضطهاد والإفناء على يد محاكم التفتيش التي أتت عليهم قتلاً وتشريداً أو تنصيراً وإذابة، ثم كان الطرد النهائي سنة 1610م.

وبذلك خلُصت شبه الجزيرة الأيبيرية للإسبان والبرتغال، وكانت هذه هي الحالة الوحيدة التي دخل فيها الإسلام مكاناً وخرج منه إلا قليلاً.

ولولا هذا الحقد الذي مورس ضدهم لظل المسلمون هناك كأقلية لا سلطة لها كما هم الآن في دول مثل الهند وروسيا وغيرهما.