تحليل

هل يُشعل المسجد الأقصى فتيل الحرب القادمة؟

فريد أبو ضهير

قبل حوالي 18 سنة، استدعاني الضابط الإسرائيلي للمنطقة التي أسكن فيها، وفي هذا الاستدعاء يتم ما يسمى بـ"الاستجواب"، الذي هو أقل درجة من التحقيق.

وكان هذا الأسلوب سائداً آنذاك، خاصة مع الصحفيين ورجال الأعمال، حيث يقول الضابط للضيف: نود فقط أن نتحدث عن أحوال البلد. وبالنسبة لي، فقد قال: أحببت أن أتعرف عليك.

بالطبع لم يكن لديّ فكرة عن هذا الأمر، فوجدت ضابط المنطقة، واسمه باروخ، ويتحدث العربية بطلاقة، ولديه دراية وافية عن المنطقة وعن مشاكلها وأهاليها وكل تفاصيلها.

ووجدت في مكتبه موظفين اثنين، يلبسان اللباس العسكري، ويجلسان على مكتب، وأمامهما الصحف اليومية الفلسطينية، ويتصفحان هذه الصحف، ويقومان بتحليل مضمونها، ويبدو أنهما يكتبان تقريراً حول اهتمامات الصحف واتجاهاتها نحو القضايا المستجدة.

بدأ الضابط بسؤالي الأسئلة التقليدية، المتعلقة بالمعلومات الشخصية، ثم انتقل إلى مجال العمل، ثم الصحافة، ثم بالطبع السياسة، وفي نهاية اللقاء، قال لي: هل لديك أي سؤال؟ قلت: فقط سؤال واحد. قال: تفضل. قلت: لماذا تقومون بإجراءات قمعية ضد المواطن الفلسطيني البسيط؟ ألا ترون أن هذه السياسات والإجراءات تدفع المواطن الفلسطيني إلى التصدي للاحتلال؟
أجاب قائلاً: لقد عانينا من الاضطهاد سنين طويلة خلال الحرب العالمية الثانية، وتعلمنا أن أي تراجع، ولو خطوة واحدة إلى الوراء، سيكون بداية النهاية.

بعد ذلك بفترة ليست بطويلة، اندلعت الانتفاضة الثانية، وشهدنا ما حدث من أهوال، ثم شهدنا حروب جنوب لبنان، وحروب غزة، والكوارث التي عصفت بالشعب الفلسطيني، إلى أن وصلنا إلى ما وصلنا إليه من الواقع السياسي العربي المتردي، والانسداد في السياسة الفلسطينية، وحصار للشعب الفلسطيني بأكمله، حصار فعليّ لغزة، وحصار سياسي واقتصادي وأمني للضفة، وحصار لكل فلسطيني في كل مكان بفضل السياسة الأميركية التي تقف من ورائها إسرائيل.

لكن أحداث المسجد الأقصى اليوم تفرض نفسها بقوة على المشهد السياسي، وبخاصة في ظل سعي دولي وإقليمي لفرض التسوية، أو على الأقل تسليم الشعب الفلسطيني بالأمر الواقع، رغم استمرار الاستيطان والاعتقالات اليومية، وسياسات الخنق الاقتصادي ومصادرة الأراضي والحصار المستمر منذ سنوات.

وحتى نقرأ الأحداث بهدوء، علينا أن نسعى للإجابة عن السؤالين التاليين: السؤال الأول: هل هناك مبرر للعملية التي قام بها الشبان الثلاثة على أبواب المسجد الأقصى، وقتل جنديين إسرائيليين؟ والسؤال الثاني: لماذا الرفض المطلق للبوابات الإلكترونية؟ وما تأثير هذه البوابات على المصلين وعلى المسجد الأقصى؟

وبالطبع، فإن الحديث الذي أسلفناه عن استمرار إسرائيل بسياساتها تجاه الشعب الفلسطيني، التي تجعل كل مواطن يشعر بالقهر، ويكتوي كل يوم بنار الاحتلال بأشكال شتى، تؤدي إلى تأجيج الشعور بالغضب لدى الشباب الفلسطيني. وهذا ليس كلامي، بل كلام المحللين الإسرائيليين، وكذلك قادة الأمن الإسرائيليون.

وبالتالي، فإن ردود الفعل، وبخاصة الفردية، ستزداد يوماً بعد يوم. بمعنى أن المبررات موجودة في كل إجراء إسرائيلي يستهدف الإنسان والأرض والمقدسات، وبخاصة النقطة الحساسة بالنسبة للمسلمين، وهي المسجد الأقصى الذي لا تفتأ إسرائيل عن تجريده من حرمته وقدسيته أمام اقتحامات الجنود والمستوطنين له على مدار الساعة.

والخلاصة هي أن الكرة في الملعب الإسرائيلي، والخلاصة كذلك هي أن الإسرائيليين لا يستطيعون التراجع عن سياساتهم؛ لأن التراجع يعني بداية الهزيمة، وهذا يعني أيضاً استمرار الصراع وتصاعده من حين لآخر، هذا بالنسبة للسؤال الأول.

أما النقطة الثانية، فمن الواضح أن البوابات الإلكترونية التي وضعتها إسرائيل على أبواب المسجد الأقصى تجعل المواطن يشعر أن المسجد بات تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة. فكيف يمكن لعشرات الآلاف أن يمروا من هذه البوابات كل يوم خمس مرات؟ وكيف يمكن أن يمر ربع مليون مسلم يوم الجمعة، وبخاصة في رمضان، من هذه البوابات خلال فترة الصباح؟ هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فما الذي سيستفيد منه الإسرائيليون من وضع هذه البوابات؟ فلا يوجد داخل المسجد جنود إسرائيليون، وبالتالي فهم ليسوا مهددين من قِبَل المصلين. والأمر الثالث هو أن العملية التي جرت قبل أسبوع لم تكن داخل المسجد الأقصى، بل كانت خارج أبوابه، حسب المعلومات التي نشرتها سلطات الاحتلال ذاتها.

وبكل الأحوال، من الواضح أن الفلسطينيين يرفضون رفضاً قاطعاً المساومة على المسجد الأقصى، بالتزامن مع تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية للمسجد، وفي ظل تزايد الأصوات داخل إسرائيل للسماح لليهود بالصلاة داخل المسجد (وخاصة في ساحاته).

من المهم التأكيد على أن موضوع المسجد الأقصى سيكون الشرارة التي قد تُشعل فتيل الحرب القادمة، وقد يصبح محور الصراع في المنطقة. ومن الواضح أن إسرائيل تبحث عن وسيلة لتنفيذ مخططاتها لإحكام السيطرة على المسجد الأقصى، والسماح لليهود بالصلاة فيه، دون إثارة حفيظة الدول العربية والإسلامية.

أما أن تكف إسرائيل يدها عن الحرم القدسي الشريف، فهذا غير وارد بالنسبة لها.