قضايا

مقارنة الأديان مغامرة خاطئة وعبثية!

جواد مبروكي

المقارنة بصفة عامة هدامة ومدمرة، وهدفها هو التمييز بين ما يقارن؛ فمثلا، في علم النفس نعتبر المقارنة أحسن آلية للرفع من شأن شخص ما وتدمير الطرف الآخر. ولهذا، نعتبر أن الفرد شخصية منفردة في العالم وله خصوصيته، ومن المستحيل مقارنته مع فرد آخر.

أما إذا تحدثنا عن المقارنة بصفة عامة، باستثناء الإنسان؛ فسوف يتحتم علينا احترام عدد من المعايير والقواعد. فمثلا، إذا أردنا أن نقارن بين دراجتين، فيجب أن يخضعا للظروف نفسها (المكان والزمان والطقس والسائق....) وليس من المنطقي أن نضع دراجة في فصل الشتاء وأخرى في فصل الصيف، أو الأولى على هضبة والأخرى في الجبل ونقارن بينهما!

الشيء نفسه ينطبق على الديانات، فكيف لنا أن نقارن بينها، في حين أتت في عصور وأماكن وحضارات مختلفة؟ وكل من يحاول المقارنة بينها فهو غير عادل ومنصف.

تجربتي في الديانة البهائية قادتني إلى اكتشاف ظهور الأديان بشكل متتابع ومتكامل عبر الأحقاب وتعاقبها الواحدة بعد الأخرى إلى الأبد. ولهذا، ليس من البدهي المقارنة بينها، بحيث كل ديانة ظهرت في زمن معين وظروف اجتماعية واقتصادية معينة ولحقبة محددة! فكيف نقارن بين الديانة البوذية وبين الديانة الإسلامية مثلا، وكل واحدة منهما ظهرت في زمن ومكان ومجتمع وظروف مختلفة تمام الاختلاف عن الأخرى، وكل ديانة جاءت بحلول وشرائع لحقبة معينة؟ كيف نقارن بين المسيحية وبين البهائية مثلا، وكل واحدة منهما ظهرت في زمن وظروف مختلفة؟

للتوضيح، بإمكاننا أن نعتبر التعليم الابتدائي والثانوي كديانات، ومن المستحيل مقارنة التعليم الابتدائي بالثانوي، ومن غير المعقول أن نزعم أن التعليم الثانوي أفضل من التعليم الابتدائي، وإلا هيا بنا لنُدرس برامج التعليم الثانوي لتلاميذ الابتدائي! فلكل تعليم أهميته حسب سن التلميذ وقدرته على فهم وهضم البرنامج، والواحد يكمل الآخر، ولكل منهما مكانته وخصوصيته... وهذا ينطبق بالضبط على الديانات، ولكل واحدة خصوصيتها، وتستحق الاحترام والتقدير نفسه.

وهناك مثال آخر للتوضيح، فمثلا الطعام الخاص للطفل فإنه يختلف حسب سنه، ولا مجال للمقارنة بين أطعمة مختلفة؛ لأن الواحد من تلك الأطعمة يكمل الأخرى. وإذا أردنا المقارنة، فيجب أن تكون بين نوع من الأطعمة، مثلا بين أنواع اللحوم الحمراء أو بين أنواع الأسماك وليس بين اللحوم والأسماك! فمثلا، إذا قارنا بين اللحوم والحليب، واستخلصنا أن اللحوم أفضل من الحليب، فهل سوف نطعم رضيعا اللحوم وسنه لا يتجاوز الأسبوع؟ فهل للرضيع القدرة على أكل اللحوم؟ وفي الوقت نفسه هل نستمر في إطعام الرضيع بالحليب إلى الأبد مهما تقدم في السن؟ نستخلص، إذن، أن لكل مرحلة من حياة الإنسان حاجة إلى نوع خاص من الأطعمة.

فكذلك بالنسبة إلى الأديان كل ديانة لها زمانها وظروفها، ومن المستحيل المقارنة بينهن؛ ولكن بإمكاننا أن نصف كل دين بخصوصيته للتعرف عليه. اللهم إلا إذا ظهرت ديانتان أو أكثر في الوقت نفسه والمكان نفسه والمجتمع نفسه، فهنا لا بد لنا من المقارنة. ومن حسن الحظ أن هذا لم يقع في التاريخ ولا في الحاضر.

ولكن في هذا الباب ما هو هدف المقارنة بين الأديان؟ هل لنفضل الواحد على الآخر؟ هل ليس هذا من أسباب العداوة والتعصب والتفرق والاختلاف؟ هل هذا يخدم التعايش بالروح والريحان بين أتباع مختلف الديانات؟ شيء متناقض مع روح الأديان بحيث كلها تدعو إلى الوحدة والسلام بين البشر، وكلها تتوجه إلى نقطة واحدة، نقطة اتحاد ووحدة الأديان ووحدة الإنسان، نقط التلاقي!