تحليل

ترامب في ستة أشهر

امحمد المالكي

أنهى الرئيس “دونالد ترامب” ستة أشهر في حكم أمريكا منذ أداء القسم في 20 يناير 2017، وهي مدة كافية، إلى حد ما، لمعرفة حجم إنجازاته، وطبيعة التحديات المنتصبة أمامه، الظاهر منها والمفترض حصوله. فهو من الرؤساء الأمريكيين القلائل الذين تم التشكيك في فوزه، بل شرع أنصار من حزبه في المطالبة بإيقاف ترشحه والبحث عن بديل عنه، إبان الحملة الانتخابية وفي قلب اشتداد منافستها.. ومع ذلك نجح رجل الأعمال في الإقدام على العديد من الإجراءات لم يقدر سابقوه على القيام بها بنفس جرأته وصلابة مواقفه. لذلك انخفضت شعبيته، بحسب استطلاعات الرأي، إلى أدنى مستوياتها، لتتراوح ما بين 36% و40%، ولم تتجاوز 50% في المناطق التي أدلت بأصواتها لصالحه دون تردد، بل إن معهد “جالوب” المعروف بخبرته في بناء استطلاعات الرأي، توقع فشل “ترامب” وخسارته لو تقدم لأي انتخابات تجري الآن.

لعل السمة البارزة التي طبعت الستة أشهر المنصرمة من حكم ترامب، سعيه الدؤوب إلى إثبات وجوده كرئيس قادر سياسياً على اتخاذ مبادرات وإجراءات تتوافق مع وعوده الانتخابية، وتُنفذ شعار “أمريكا أولا”، وتعيد لها هيبتها وصدارتها في العالم. وقد لاحظنا نوعية القرارات والإجراءات التي أقدم عليها على الصعيدين الداخلي والدولي، وفي مقدمتها حظر منع سبع دول إسلامية من دخول التراب الأمريكي، والتلويح ببناء جدار عازل على الحدود الأمريكية المكسيكية، وإلغاء قانون “أوباما للرعاية الصحية”، والانسحاب من “اتفاقية باريس للتغير المناخي”، وغيرها من الخطوات، وهي كثيرة، التي أثارت ردود فعل وخلافات داخل أمريكا وخارجها. وبالمقابل، وعلى الرغم من توقيع “ترامب” على أكثر من أربعين مشروع قانون، وإصدار عشرات القرارات التنفيذية والإجراءات الرئاسية، فقد ظلت الكثير من الملفات معطلة تنتظر الإنجاز، أبرزها على وجه التحديد “قانون المساءلة”، و”حماية المبلغين عن المخالفات”، و”تخفيض الضرائب على الشركات”، ناهيك عن التشريعات ذات الصلة بـ”البنيات التحتية”، و”الإصلاح الضريبي”. والواقع أن قضايا دولية كثيرة لم يتوفق الرئيس ترامب خلال نصف سنة من حكمه في تسجيل إنجازات في مضمارها، بل أعطى انطباعاً وكأنه يسعى إلى عزل بلاده عن المنتظم الدولي، كما حصل في موقفه من الجهود الجماعية الرامية إلى إنقاذ كوكب الأرض، وتحسين الظروف المناخية، وعلاقته بالصين، وتحديدا قضيتي “تايوان” و”بحر الصين”، وعلاقته أيضا بروسيا والملفات العالقة بينهما، لا سيما تلك التي لها صلة بالشرق الأوسط.

خلصت العديد من الكتابات إلى أن حصيلة حكم “ترامب” في نصف سنة لم تكن واضحة ومُقنعة بما فيه الكفاية، وأنها إن استمرت خلال السنوات المتبقية من ولايته (2016 ــــ2020)، فلن تضر به شخصيا وتعاقب حزبه سياسيا، بل ستساهم في تراجع مكانة أمريكا وتقهقر صورتها في العالم، وقد تساعد على تأجيج بؤر التوتر عوض المشاركة في إطفاء فتيلها.

لنُمعن النظر في ما يجري في المنطقة العربية، ونتساءل عن علاقة هذه التوترات النوعية بالقيادة الجديدة في أمريكا. فمباشرة بعد انتهاء زيارة “ترامب” للمملكة العربية السعودية، ولإسرائيل والضفة الغربية، اندلعت الأزمة الخليجية بين الرباعية العربية وقطر، وتعاقبت وقائع المقاطعة والحصار، ولم تفلح الوساطات في ردم الفجوة القائمة بين الأطراف، كما شهد المسجد الأقصى في القدس ممارسات إسرائيلية قلما تجرأ الإسرائيليون الإقدام عليها، ولا يعرف على وجه اليقين، كيف ستُحل الأزمة الخليجية، وإلى أين ستؤول الأوضاع في القدس الشريف.. دون أن ننسى طبعاً حجم الجباية التي عاد بها “ترامب” إلى بلده، لم يحلم بها رئيس أمريكي من قبله، وكما يقول الصينيون “رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة”، ولعلها الخطوة الأولى في رحلة نهب الثروات العربية.

هل سيُنهي “ترامب” ولايته؟ لا يبدو في الأفق احتمال خروجه قبل العام 2020، كما حصل للرئيس نيكسون مثلا في فضيحة “ووتر غيت”.. فظروف الرجلين مختلفة، لكن في مُكنِ “ترامب” تحسين وضعه نحو الأفضل، إن هو بمعية فريقه في الحكم حفز المجتمع الأمريكي على الالتفاف حوله، لكن هذا لن يتحقق دون سياسات وإنجازات تحظى بدائرة واسعة من التأييد وتوزيع المنافع.. إنه التحدي الأكبر أمام “ترامب” في ما تبقى له من سنوات الحكم.