تحليل

خطاب العرش .. المكاسب والتحديات

عبد الرحمان شحشي

ما ميّز الخطاب الملكي في الذكرى الثامنة عشرة لعيد العرش هو استعراضه لحصيلة ثماني عشرة سنة من الحكم بمكتسباتها وتحدياتها، (أولا)، التي ألقت بتداعياتها على واقع الحال الذي تم تشخيصه، (ثانيا)، وطرح الحلول المستعجلة لتلبية مطالب وحاجيات المواطنين، (ثالثا)، ولكن ما وراء سطور الخطاب رسائل مشفرة إلى من يهمهم الأمر (رابعا).

أولا . المكاسب والتحديات :

1- المكاسب :

استعرض الخطاب الملكي حصيلة 18 سنة من الحكم وما تحقق من مكاسب في ظل مغرب يتطور باستمرار، حيث سجل التقدم الواضح والملموس والذي يشهد به الجميع في مختلف المجالات.

كما أشار الخطاب إلى المصداقية التي يحظى بها المغرب قاريا ودوليا، والنجاحات في العديد من المخططات القطاعية، كالفلاحة والصناعة والطاقات المتجددة.

وأشاد الخطاب الملكي بالقطاع الخاص الذي يتميز بالنجاعة وبالتنافسية بفضل نموذج التسيير، القائم على آليات المتابعة والمراقبة والتحفيز مما ساعده على جلب أفضل الأطر المكونة في بلادنا والتي تسهم اليوم في تسيير أكبر الشركات الدولية بالمغرب والمقاولات الصغرى والمتوسطة الوطنية؛ وهو ما انعكست ثماره على الجهات التي تعرف نشاطا مكثفا، كالدار البيضاء والرباط ومراكش وطنجة، والتي تعيش على وقع حركية اقتصادية قوية، توفر الثروة وفرص الشغل؛ إلا أن هذه المكاسب، حسب الخطاب الملكي، يجب أن لا تحجب عنا التحديات التي يعرفها الوضع الراهن .

2- التحديات :

لقد أشار الخطاب إلى مجموعة من التحديات التي يعرفها المغرب، وعلى رأسها محدودية الإمكانات والموارد؛ فالمغرب ليس دولة نفطية فهو لا ينتج لا البترول ولا الغاز بل حتى أثمنة الفوسفاط تراجعت في السوق العالمي أمام المنافسة الشرسة لبعض الدول في سوق حرة ومفتوحة. كما أن صادرات المغرب من الخضر والفواكه إلى السوق الأوروبية، وعلى رأسها الحوامض، عرفت ركوضا هذه السنة؛ وهو ما انعكس سلبا على الميزان التجاري والذي كان المغرب يسد عجزه عبر تحويلات المغاربة العاملين بالخارج والسياحة الأجنبية؛ لكن الظروف المتأزمة اقتصاديا التي تعيشها الدول الأوروبية والتحولات والتغيرات السياسية المتقلبة بدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أثرت سلبا على الاقتصاد المغربي .

مما أدى إلى تفاوتات مجالية، فالعديد من المناطق تحتاج إلى المزيد من الخدمات الاجتماعية الأساسية أمام تواضع الإنجازات في بعض المجالات كبرامج التنمية البشرية والترابية، التي لها تأثير مباشر على تحسين ظروف عيش المواطنين... ولكن أين الخلل؟

ثانيا. تشخيص واقع الحال:

لقد شخص الخطاب الملكي مواطن الخلل والأعطاف بكل واقعية ووضع الأصبع على مواطن العلة وسلط الضوء بل الأضواء على الزوايا العتمة، وذلك بناء على تقارير موضوعية تتمتع بالمصداقية، وهي كالتالي:

ضعف الإدارة العمومية:

تشكل الإدارة العمومية داخل أية دولة العمود الفقري؛ فهي التي تعمل على تصريف برامج الحكومة في كل المجالات والميادين. وإن عمل الإدارة يتطلب عمل فريق منسجم ومتناغم؛ وهو ما لم يجده الملك في الإدارة العمومية المغربية، التي سجل عليها ضعف العمل المشترك وغياب البعد الوطني والاستراتيجي والتنافر بدل التناسق والالتقائية، والتبخيس والتماطل بدل المبادرة والعمل الملموس.

فالقطاع العام، وخصوصا الإدارة العمومية، تعاني من ضعف الحكامة، ومن قلة المردودية، سواء على مستوى النجاعة أو جودة الخدمات التي تقدمها للمواطنين.

ولقد عزا الخطاب الملكي ذلك إلى ضعف روح المسؤولية وانعدام الضمير المهني لدى فئات عريضة من الموظفين العموميين الذين تنكروا للواجب ولهثوا وراء الراتب؛ بل إن الخطاب أشار إلى الذين تركوا مكاتبهم فارغة وعطلوا مصالح المواطنين والمواطنات تحقيقا لرعاية مشاريعهم ومصالحهم خارج الإدارة.

مما أدى إلى عدم تلقي المواطنين لأجوبة مقنعة، وفي آجال معقولة، عن تساؤلاتهم وشكاياتهم، مع ضرورة شرح الأسباب وتبرير القرارات، ولو بالرفض، الذي لا ينبغي أن يكون دون سند قانوني، وإنما لأنه مخالف للقانون.

استقالة الأحزاب السياسية :

عقليات الأحزاب السياسية لم تتغير، حسب الخطاب، وليست لها القدرة على التنفيذ والإبداع؛ فالتطور السياسي والتنموي، الذي يعرفه المغرب، لم ينعكس بالإيجاب على تعامل الأحزاب التي لم تعرف تنمية سياسية.

إن براغماتية الأحزاب السياسية وانتهازيتها تدفعها إلى الاختباء وراء القصر الملكي، وإرجاع كل الأمور إليه في حالة الأزمات الاجتماعية والسياسية، أما في حالات الرخاء السياسي فهي تتهافت على اقتسام المنافع؛ وهو ما أدى إلى فقدان الثقة في الطبقة السياسية وانتشار ظاهرة العزوف السياسي لدى شرائح واسعة من الشباب أمام أزمة التواصل السياسي وضعف تمثيل وتأطير المواطنين، وخدمة مصالحهم.

وأمام هذا التراجع والاستنكاف عن قيام الأحزاب السياسية بدورها كاملا، عن قصد وسبق إصرار أحيانا وبسبب انعدام المصداقية والغيرة الوطنية أحيانا أخرى ازداد الوضع تأزما.

ثالثا. الحلول الملكية لرفع التحديات:

ربط المسؤولية بالمحاسبة؛

ضرورة التفعيل الكامل والسليم للدستور- (المطالبة بالحقوق يقابلها الالتزام بالواجبات)؛

الحرص على احترام اختصاصات المؤسسات، وفصل السلط؛

تغيير العقليات (تجديد النخب ودورانها)؛

تزويد الإدارة بأفضل الأطر (كفى من وضع الرجل غير المناسب في مكان المسؤولية)؛

اختيار الأحزاب السياسية لأحسن النخب المؤهلة لتدبير الشأن العام ("لا" للشعبوية ).

رابعا . ما وراء الخطاب:

إن حبكة الخطاب السياسي لعيد العرش جد عالية وتتجلى من خلال كثافة عبارات الخطاب وحمولتها التواصلية ورسائلها غير المباشرة والتي أدانت بكل صراحة "العمل الحكومي" من خلال إدانة الإدارة العمومية التي هي موضوعة رهن إشارة الحكومة، وفي هذا تعبير عن عدم الرضا الملكي عن الايقاع الذي تشتغل به الحكومة مقارنة مع إيقاع القطاع الخاص وفي عدم التناغم في عملها، بل في إشعالها لحروب، وفتحها لجبهات للصراع الحزبي – (صراع حزب العدالة والتنمية مع حزب الأصالة والمعاصرة) – والذي من تبعاته "حراك الحسيمة" والذي "تموقف" فيه رئيس الحكومة الحالي بتصريحاته التي صبت الزيت على النار عوض التدخل بحكمة وحكامة.

فالخطابات الشعبوية، حسب خطاب العرش، ميّعت العمل السياسي بالمغرب، والتملص من المسؤولية والاختباء وراء القصر الملكي شطحات أسقطت ورقة التوت عن جسد الأحزاب السياسية التي استقالت من مهامها في تأطير المواطنين وشمرت عن سواعدها للتطاحن والصراع السياسي وشحذت ألسنتها للتراشق وتبادل الاتهامات.

ولكل هؤلاء، يقول الملك: "كفى، واتقوا الله في وطنكم… إما أن تقوموا بمهامكم كاملة، وإما أن تنسحبوا".

*أستاذ علم السياسة والقانون الدستوري بكلية الحقوق – جامعة الحسن الأول بسطات.