فن وإعلام

هل سيغير العالم الإفتراضي أو الفيسبوك فهمنا للنضال مستقبلا ؟

صباح الحسيني

 للوهلة الأولى قد يشعر المرء بالدهشة والخوف والاستغراب أمام هذا الكم الهائل من الحسابات الفيسبوكية ، منها ماهي معروفة لمناضلين شرفاء معروفين على الساحة ، ومنها لأشخاص عاديين أو لأشباح آقتحموا العالم الإفتراضي مدعين النضال ، إما لتصفية حسابات شخصية و سياسية ، أو لإرضاء أشخاص نافذين بمقابل مادي ، لخلق الفوضى والبلبلة والتشويش على آخرين شرفاء وذلك لتجميد الأمور على ماهي عليها.

إن هيمنة بعض الحسابات الفيسبوكية المشبوهة باتت تفرض وجودها ، لذلك كان لنا أن نقول أنه قد آنبثق عهد جديد وهو عهد الإنسياق وراء أناس فرضت نفسها بالنصب والكذب والتضليل واعتبرت نفسها فئة مناضلة بدون منازع.

صحيح أن من هؤلاء من حالفه الحظ في مسيرات أو احتجاجات كانت مدفوعة الأجر لظهور أمام الرأي العام بصفة الأبطال ، وصحيح أننا يمكن أن نعتبر ذلك آنتصارا وأسلوبا جديدا للتمويه وإعطاء مفهوم جديد للنضال ، لكنها تبقى منجزات براقة قد خطفت الأنظار للحطات وسرعان ما أصبحت باهتة عندما ظهرت لنا حقائق عرت عن مكرهم ، وخبثهم ، وأنانيتهم ،وتشبتهم بمصالحهم.

لا يخفى على أحد أن العالم الإفتراضي بات كابوسا يمنعنا من الإنخراط في تفاهات ما يروج له من يدعون النضال ، وكابوس أيضا يضغط على مناضلينا الشرفاء لتكميم أفواههم للرجوع الى الوراء ، وكبث مبادراتهم بنعتهم بأوصاف مضللة ونشر إشاعات كاذبة لإحباطهم ودحض عزيمتهم وبالتالي التراجع عن قضايا مجتمعهم .

لقد تفننت بعض الحسابات الفيسبوكية المشبوهة في قتل كل محاولة منادية للتغيير ، فكيف يمكن مقارنة مناضلين خلفوا وراءهم تجارب ومعاناة يعلمها الجميع وهاهم الآن يعيشون كل الهموم جنبا الى جنب مع البسطاء بفضح الفساد وتعرية الواقع ، ويدفعون ثمن ذلك سواء بالإعتقال أو القمع أو الإقصاء وبين مناضلين همهم الأول والأخير الاسترزاق وبيع قضايا المستضعفين والنصب والاحتيال على شريحة واسعة من المجتمع ، لتبقى معاناة المناضلين الشرفاء تشفع لهم وترفع من شأنهم مهما حاول أشباه المناضلين تلويثهم.

يبقى المناضل الحقيقي بلا ريب هو ذلك الإنسان المحب لوطنه ولمصاحة مجتمعه ، قد يكون شخصا غاضبا ومندفعا ، لكنه يهتم بمصلحة الآخر أكثر من مصلحته ، ويبقى إنسانا مسايرا لمعاناة وهموم الآخر في كل جوانبها وقد يدفع ثمن ذلك يوميا دون البحث عن الشهرة أو المال.

  في الواقع أن النضال اليوم قد تغيرت آلياته فكثير من الحسابات لنشطاء مشبوهين قد ينتظرون التعليمات أو أدنى إشارة لبث أي إشاعة أو أكاذيب حول أي مناضل شريف قد عرى أو فضح المستور ، هذا هو النضال عندهم وهذا هو العالم الإفتراضي .

فهل ستستمر الأوضاع على ماهي عليه ؟ فهل يبقى المناضل الشريف المنادي على التغيير محاصرا مطاردا من طرف بروفايلات لنشطاء مشبوهين وجدوا لتلبية دعوة كل خائف من حقائق قد تكشف في أية لحظة تغير الموازين أو قد ينبش عليها أي مناضل ؟

وفي النهاية لن يغير العالم الافتراضي أي مفهوم للنضال مادام النضال الحقيقي تابث بدون مساومات ومادام أصحابه لا يفهمون في لغة الإبتزاز وبيع الوهم للبسطاء ، ومادام يكلف أصحابه الثمن غاليا في العيش في سراديب المعتقلات ، ومادام أصحابه مستعدون لدفع فاتورة نضالهم رغم قساوتها بدون تراجع .