رأي

جمال محافظ: احتضان مونديال 2026 لا يكتسي طابعا تقنيا فقط

قدمت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم رسميا طلب ترشيح المغرب لاستضافة نهائيات بطولة كأس العالم لكرة القدم برسم سنة 2026، الجمعة الماضية، آخر يوم لوضع طلبات احتضان المونديال، استنادا للمهلة التي حددها الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) للبلدان التي تعتزم الترشح لاستقبال هذه التظاهرة الرياضية الكبرى.

إن الترشيح لاحتضان مونديال 2026 يتطلب ألا يكتسي طابعا تقنيا فقط، وأن يختزل في كونه رهانا حكوميا، بل يجب أن يصبح شأنا عاما عبر نقاش عمومي تشارك فيه جميع الفعاليات الوطنية، بخبرتها وتجربتها في الدفاع والاقناع بالملف المغربي لدى صناع القرار الرياضي على المستوى القاري والدولي.

وإذا كان المغرب سيواجه منافسة شرسة من لدن الولايات المتحدة الأمريكية التي تقدمت بترشيح مشترك مع كل من المكسيك وكندا، فإن الخاصية التي ستميزه هي أنه سيكون المرشح الوحيد لقارة إفريقيا، عكس ما كان عليه الحال في مونديال 2010 الذي عرف ترشح جنوب إفريقيا، التي حظيت باحتضان العرس الكروي العالمي بعد منافسة انتهت بـ" التاي بريك" لفائدة بلد نيلسون مانديلا "البافانا بافانا".

فترشيح المغرب باسم إفريقيا يمكن أن يشكل عامل قوة، وسيضاعف من حظوظه لاحتضان المونديال، خاصة إذا تمكن من إقناع الاتحاد الدولي لكرة القدم بضرورة الالتزام بالحفاظ على مبدأ التناوب بين القارات الذي كان قد أقره مؤخرا، والذي إن طبقته الفيفا في اختيارها، فإن الدور سيكون على إفريقيا سنة 2026 بعد أوروبا بروسيا 2018 وآسيا بقطر 2022.

وبغض النطر عن "ايجابيات وسلبيات" المونديال على المغرب وانعكاساته السياسية والتنموية الاقتصادية والاجتماعية، فإن هذا المقال لا يرنو إلى القيام بتحليل شامل وتقني لحظوظ المغرب في الفوز بشرف المونديال الذي فشل في احتضانه في أربع مناسبات خلال سنوات 1994 و1998 و2006 و2010، وإنما إلى اثارة الانتباه والادلاء بوجهة نظر حول بعض الجوانب المرتبطة بالملف المغربي الذي يتطلب مجهودا كبيرا لإعداده وأيضا للتعريف به وتقديمه إلى الرأي العام بحلة احترافية بعيدة كل البعد عن "لغة الخشب ودغدغة العواطف والمشاعر" بالداخل، كل ذلك بهدف إقناع أصحاب القرار بقوة ملف أول بلد إفريقي كان قدم ترشيحه لتنظيم هذه التظاهرة الكروية الكبرى.

فبغض النطر عن ضرورة استجابة الملف الكاملة لدفتر التحملات، فإن عملية اختيار البلد المستضيف لمونديال كرة القدم، الرياضة الشعبية الأولى في العالم، تخضع لعدة عوامل سياسية واقتصادية وتجارية وإعلامية، والكثير من هذه العوامل يتم خارج رقعة الميدان الرياضي بالطبع، يعلب فيها مستوى الترويج دورا حاسما.

وفي هذا الصدد، يلعب الإعلام والاتصال دورا محوريا في هذه العملية، باعتبار أن الإعلام الذي انتقل راهنا من سلطة رابعة إلى سلطة أولى بوظائف جديدة لها تأثير على إنتاج المعنى، نتيجة الثورة التكنولوجية؛ فوسائط الاتصال أضحت أرضية وخلفية التسويق والماركوتينغ الذي لم يسلم معه أي قطاع ليس فقط الاقتصادي، ولكن السياسي أيضا.

فالإعلام، خاصة البصري، يتولى مهام تسويق الصور عن كل صغيرة وكبيرة داخل البلدان المرشحة المتنافسة، سلبا أو إيجابا، للفوز في الأخير بثقة أصحاب القرار في الاتحاد الدولي لكرة القدم الذي يعيش على إيقاع مرحلة تحول كبيرة، سواء على مستوى قيادته التي شهدت أكبر عملية تغيير بعد اكتشاف عمليات فساد كبرى عجلت بالخصوص بإقالة عدد من أعضائها، خاصة رئيس "الفيفا" وعقلها المدبر السويسري جوزيف بلاتر، والفرنسي ميشال بلاتيني، نائبه الذي كان يمني النفس بخلافته على رأس هذه الامبراطورية الكروية لولا التورط في قضايا الرشاوى والفساد المالي التي أسالت الكثير من المداد، وسارت بذكرها الركبان.

إذن فإشكالية الحكامة الجيدة والدمقرطة في ظل القيادة الجديدة للاتحاد الدولي التي بنت برنامجها و"مجدها" على تخليق الممارسة الكروية مما شابها خلال الفترة السابقة التي استشرى فيها الفساد وشراء الأصوات، ستطرحان بحدة وبقوة خلال "سباقات المسافات الطويلة" من أجل الفوز برهان احتضان نهائيات كأس العالم لكرة القدم برسم سنة 2026.

إن من شأن عملية "التطهير" هاته، التي أتت بقيادة جديدة على رأس "الفيفا" والتي تزامنت أيضا مع انتخاب رئيس وقيادة جديدتين للكونفدرالية الافريقية لكرة القدم، أن تشكل "نقطة إيجابية أخرى" لفائدة الملف المغربي، الذي سيكون ملف إفريقيا برمتها التي أصبح من واجب بلدانها أن تقف صفا واحد إلى جانب ترشيح المغرب، بغض النظر عن خلافاتها. وفي هذا السياق تأتي مناشدة رئيس الكاف، أحمد أحمد، كافة الاتحادات الوطنية الإفريقية "تقديم دعم صريح وقوي" لترشيح المغرب لاستضافة المونديال.

إن ملف الترشيح لا يكتسى فقط طابعا تقنيا أو مجرد تعبئة دفتر تحملات يجيب فيه المرشح على الشروط والمقاييس التي تفرضها "الفيفا" عبر خبرائها في الجوانب اللوجستيكية من بنيات تحتية رياضية، من ملاعب وتجهيزات ومرافق استقبال من فنادق ومطارات وطرق وغيرها، التي تتطلب استثمارا ت هائلة، ولكن الأمر يقتضى تعبئة من نوع آخر، في مقدمتها جعل الرأي العام الوطني قبل العالمي مقتنعا وواعيا بجدوى والأهمية التي يكتسيها احتضان المغرب للمونديال، وهنا تلعب وسائل الإعلام دورا حاسما في تحفيز النقاش العمومي حول الموضوع بتقديم الرأي المساند والرأي الآخر المضاد الذي سيكون إيجابيا لو يتم عبر مقاربة تشاركية تدمج كافة الأطراف بالاستئناس بآرائها في الترشيح.

وحري بالمسؤولين عن ملف الترشيح للمونديال أيضا أن يستفيدوا من التجارب السابقة في إعداد الملف الحالي وتجاوز الثغرات والسلبيات التي شابت هذه التجارب، وأن يحسنوا اختيار أعضاء اللجنة المكلفة بالترويج للترشيح التي يتعين أن تضم كفاءات محنكة ذات صيت عالمي في مجالات الرياضة والفكر والإعلام، وأن يدعموا بالطرق الحديثة التي تقتضيها عمليات التفاوض؛ وذلك للإقناع بأحقية المغرب، ومن خلاله إفريقيا، باحتضان مونديال 2026.