رأي

صلاح الوديع: منا المسخ ومنا الغثيان

منا المسخ (le monstre) ومنا الغثيان

كثيرون امتعضوا وثاروا وغضبوا – عن حق – عند مشاهدة فيديو الشناعة والخسة. فيديو الاغتصاب الوقح المستهتر الأخرق الجبان. فيديو الأوغاد: من تحرَّش بالشابة الضحية ومن أمسك بتنورتها ومن مزق حمالة نهديها ومن احتك بمؤخرتها ومن تمسح ببشرتها ومن استرق النظر ومن صورها وهي تستغيث ولا من مغيث، لا يوازيهم في هذه الخسة وهذا السقوط إلا من هاجموا الفتاة لكونها – كما قالوا – كانت موجودة في المكان الخطأ في الوقت الخطأ. ألا فلتخسئوا يا عديمي الضمير ويا عديمي الذوق ويا عديمي الأخلاق.
لكنني أسائل نفسي: من أين جاءنا هذا الطاعون؟ وهل جاء متخفيا أم أنه يعيش بيننا من زمان؟ كل ساعة في صورة، كل ساعة في شكل، كل ساعة في شكل مسخ لا نكاد نبصره حتى يصيبنا الغثيان…
أبحث في أدوائنا وأسأل وأحاول أن أجيب:
– من يشغل الفتيات القاصرات في منازلنا؟ نحن طبعا
– من يستسهل تعنيف النساء في أسرنا؟ نحن طبعا
– من يخرق كل يوم قانون السير والجولان وإذا تجرأ أحد وحاول الاحتجاج، وصله سيل من قيء لا ينقطع؟ نحن طبعا
– من يسترق النظرات إلى مؤخرات النساء ويفرض أحزمة العفة على نساء محيطه حتى وهن طفلات؟ نحن طبعا
– من يبحث لنفسه عن مخرج من ضائقة عن طريق تدخل لدى كل صاحب سلطة وقرار، حتى يعفي نفسه من جهد العمل على إنفاذ القانون؟ نحن طبعا
– من يلقي بالقاذورات في الشارع كما اتفق وفي أي مكان وفي أي وقت، حتى إن هناك من يرمي كيس القمامة من نافذ بيته رأسا إلى الشارع؟ نحن طبعا
– من يكسر المعدات العمومية ويسرقها ويأخذها معه ليستعملها في ما ليس لها ثم يلقيها ضمن المتلاشيات؟ نحن طبعا
– من يكسر نوافذ العمارات والسيارات لمجرد أن فريقه انهزم؟ نحن طبعا
– من يتجرأ على التدخين في مقصورات القطار وهو يعلم أنه يخرق القانون ويزعج الآخرين؟ نحن طبعا
– من يتصرف في ملفات التطبيب من أجل الحصول على مبلغ غير مستحق من حصص التعويضات على المرض؟ نحن طبعا
– من يتحرش بالنساء قاصرات وشابات وراشدات ومسنات ويعتبرهن في عداد سباياه ما إن ينفرد بهن في زقاق أو طريق مقفر؟ نحن طبعا
– من يرفع ساعده ليطعن شخصا أو أكثر لا يعرفه في بلد أجنبي أعطاه كل شيء؟ نحن طبعا
– من ينحني أمام كل صاحب سلطة أو قرار ثم ينفخ ريشه أمام كل الضعفاء الذين يصادفهم؟ نحن طبعا
– من ينظر إلى المواطن ويعتبره قاصرا على الدوام؟ نحن طبعا
– من يعتبر شرف الدم والنسب أغلى من شرف العمل والجدارة؟ نحن طبعا
– من ينتقد الحاكم بالنهار ويتملقه بالليل؟ نحن طبعا
– من يذهب إلى العمل ولا يبقى في مكتبه إلا ساعة أو أكثر قليلا ثم يغادر إلى انشغالاته ولا يعود إلا ساعة الانصراف؟ نحن طبعا
– من تراه مصطفا ضمن المحتجين أمام مقر عمله حين يطاله العقاب عن حق، أو يطال زميلا من زملائه؟ نحن طبعا
– من يتعامل مع تلاميذه مثل عمال “الموقف” فيشغلهم لأغراضه ضاربا عرض الحائط بدوره التربوي؟ نحن طبعا
– من يتزاحم على صفوف المصلين في رمضان ويتزاحم على الخمارات ابتداء من الثالث في شعبان؟ نحن طبعا
– من يهاجم النساء المطالبات بحقوقهن ويفاخذ أول طفلة قاصر يجدها في الزقاق ثم يتوضأ ويصلي بل ويؤم بالناس؟ نحن طبعا
– من يكفر المطالبين بمراجعة قوانين الإرث على اعتبار آياته قطعية لا تقبل النقاش ولا يجد غضاضة في التمتع بلحم الخنزير الفرنسي والجعة الألمانية ويستحل النساء من كل الجنسيات؟ نحن طبعا
– من يتفاخر بأنه قام بأكثر من خمس حجات وعشر عُمرات ولا يرى الجوعى ولا العطشى ولا المشردين وهم يتكاثرون تحت أرنبة أنفه؟ نحن طبعا
– من تشغل القاصرات وتتركهن للضنى والتعب وتخرج إلى الشارع بأبهى حلل كريستيان ديور وشعارات التحضر والحداثة المفترى عليهما؟ نحن طبعا
– من تتأسف لكونها لم تحظ بشرف “اغتصابها” من طرف المغني المعلوم “المدبلج” حاليا في باريس؟ نحن طبعا
– من ينتظر الإشارات من أعلى ولا يشمر على ساعد العمل حتى تنبع الإشارات من حيث يجب أن تنبع، أي من نبض المجتمع؟ نحن ونحن ونحن طبعا وطبعا وطبعا…
فلماذ نستغرب إذا عادت إلينا كل هذه البشاعات في شكل مسخ (monstre) لا نكاد نبصره حتى يصيبنا الغثيان…
لا يكفي إدانة هذا المسخ، ثقافتنا كلها في حالة تحلل. إذا لم نعمل نحن على تغييرها جذريا فلن يفعل ذلك أحد عوضا عنا.