تحليل

قراءة في خطاب ثورة الملك والشعب في ذكراها الرابعة والستين

عبد الرحمان شحشي

يعتبر خطاب ثورة الملك والشعب، في ذكراها الرابعة والستين، خطابا تاريخيا واستثنائيا بامتياز؛ فهو امتداد لخطاب العرش الأخير الذي لم يشر فيه العاهل إلى القضايا السياسية الخارجية وقضية الصحراء المغربية، وهو ما تحدث عنه الجالس على العرش بإسهاب في خطاب ثورة الملك والشعب.

وخلافا لما كان ينتظره السواد الأعظم من الشعب والباحثين بأن خطاب ثورة الملك والشعب سيكون مناسبة للحديث عن الشأن الداخلي وبالخصوص حراك الحسيمة وتداعياته، فإن مضمون الخطاب كان مفاجئا للجميع، حيث لم يكن أحد ينتظر أن ينصب خطاب في ذكرى تاريخية تعد مهمة في استقلال المغرب على ربط ذكرى ثورة الملك والشعب بالسياسة الخارجية إفريقيا وبالقضية الوطنية.

وفي هذا دلالة قوية، وهي عدم انصياع المؤسسة الملكية للخطابات الشعبوية والانفعالات والأهواء التي تسعى إلى التجييش؛ فالخطاب تمت صياغته بلغة هادئة وبطريقة احترافية وفي ظرف زمني قياسي مركز غطى ربع ساعة.

وإذا كانت السياسة علم فهي كذلك فن، حيث نلاحظ كيف استطاع "الخطاب" أن يخلق المفاجأة حتى لا أقول "الصدمة"، أي أن تنتظر من الفاعل السياسي ردة فعل ولكنه يفاجئك بفعل إرادي حر لا يستجيب لما كنت تنتظر، فالمؤسسة الملكية هنا هي "جوهر السلطة" وهي التي تقرر ما تقول وما تريد.

وهكذا، استطاع الخطاب الملكي أن يخلق من حدث تاريخي وطني حدثا راهنيا ودوليا تجاوز إشعاعه حدود القطر ليصل إلى أعماق إفريقيا، إنها الثورة المجيدة ثورة الملك والشعب.

ومن بين الرسائل التي حملها الخطاب في ثناياه رفع اللبس والرد على الخصوم والأعداء في مرافعة قوية بحجج دامغة من التاريخ والواقع والقانون، ففيما يخص عودة المغرب إلى الاتحاد الإفريقي حاليا فهو العضو المؤسس لمنظمة الوحدة الإفريقية، سابقا، سنة 1963 إلى جانب مجموعة من الدول السباقة إلى الفكرة التي تمخضت عن مؤتمر القمة الإفريقي بالدار البيضاء سنة 1961 برئاسة محمد الخامس.

فالمغرب ليس عضوا دخيلا عن البيت الإفريقي وإنما لظروف سياسية معروفة – (اعتراف منظمة الوحدة الإفريقية بالجمهورية الصحراوية في مؤتمر منروفيا) - انسحب لما اعتبر المغفور له الملك الراحل الحسن الثاني أن منظمة الوحدة الإفريقية قد "تعفنت جدا وأنه من الضروري تطهيرها من الناحية الخلقية"، كما صرح الراحل للصحافة الدولية : "من تجانس تجالس".

وعودة المغرب اليوم إلى الاتحاد الإفريقي ومؤسساته عودة طبيعية إلى مكانه الطبيعي وفق رؤية إستراتيجية توافقية؛ ولكن هذه العودة أزعجت وتزعج خصوم المغرب والذين أشار إليهم الخطاب بـ"البعض"، وعلى رأسهم الجزائر والتي ما فتئت تسعى في المحافل الدولية إلى وضع العراقيل وخلق المشاكل للمغرب بسياسة شراء المواقف والتنكر لجيرانها، وهذا التصرف ليس بغريب على حكامها.

أما المغرب يقول الخطاب فقرار العودة سيادي وتاريخي ولا تحركه المطامع في إفريقيا فكيف أن يصرف أمواله لانتزاع اعتراف من هنا أو هناك؟

فهذا ليس من شيم المغرب ومن يروج لهذه المغالطات فهو جاهل بتاريخنا ومكانتنا عند الدول الإفريقية ومصداقية المغرب الدولية.

أما القضية الوطنية الأولى قضية الصحراء المغربية فملفها معروض على الأمم المتحدة في احترام تام لمبادئ وقيم ومرجعيات الشرعية الدولية، مع اعتبار مبادرة الحكم الذاتي أرضية للتفاوض واعتبار الجزائر الطرف الحقيقي لحل هذا النزاع المفتعل. أما المناورات واختلاق المشاكل والبحث عن المتاهات فهذا ليس من شيم الشرفاء.