رأي

عبد اللطيف مجدوب: الصور تفجر غضب الشعب وما تسطره الأقلام كان أعظم!

شعب يشاهد وقلما يقرأ

منذ العقد الأخير، وفي ضوء انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، وتصدر الهاتف الذكي منتجات الأسواق الإلكترونية، انتقل عالم الصورة إلى اهتمامات شرائح واسعة من الشعب المغربي ، حتى إن الإعلام السمعي البصري، بعد أن كان التلفاز " محتكرا له" تحول إلى قصاصات وأشرطة قصيرة للفيديو؛ تتداولها هذه الوسائل وعلى نطاق واسع، يتجاوز المحلي إلى الجهوي فالوطني أو العالمي .. مع مفارقة يجب التوقف عندها: هو أن الصورة يستوي في استهلاكها الجميع وبردود أفعال متباينة؛ تختلف من الأمي إلى المتعلم فالمثقف .. وغالبا ما يكون الأمي وراء الضجة من مشاهدة (الفيديو مثلا) فالأمي لا يمتلك أدوات البحث المنطقي حول خلفيات الصورة وتداعياتها، إذ أن انفعاله وهيجان مشاعره هي بمثابة العنصر الذي يؤجج غضب الشارع أو المجتمع الفايسبوكي Facebookalist People ويمنحه مساحة أوسع في الانتشار والتداول.

الصورة والنص المكتوب

لا جدال في أن الصورة؛ وتبعا لدراسات سوسيولوجية (سوسيولوجية الصورة Picture sociology) وأبحاث ميدانية؛ هي أبلغ أثرا من النص المكتوب الذي يأتي في الرتبة الثانية؛ إذا رغب المهتم والمتلقي معا الاستزادة من تفاصيل الصورة (الفيديو) وتحليل أبعادها، فالفيديو يقيد المشاهدـ في زمن محددـ بعناصر معينة هي موضوع الشريط؛ لكن لا يفتح له إمكانية النظر خلف مشاهده إلا بواسطة النص المكتوب الذي يبسط أمام القارئ أبعاد وخلفيات الصور (أو الظاهرة).. مما يفضي بهذا الأخير "القارئ/المستهلك" إلى خلق وعي عميق بالحدث .. والعناصر التي تعتمل داخله ، وأحيانا تحديد المسؤوليات ووضع النقاط على الحروف ..

أمثلة ميدانية للفكر العامي المتلهف على الصورة

عايش المغاربة وتتبعوا عن كثب حراك الريف أولا بأول، ولاحظ الجميع بمن فيهم السلطات المغربية، وبكثير من الاندهاش؛ نزول الفكر العامي بقوة، وجعل يردد مع التيار الجارف ضرورة رفع الحيف على منطقة الريف، وفك أسر المعتقلين ...الخ . هذه الدفقة الإعلامية السريعة وراء وسائل التواصل الاجتماعي، ما كان لها أن تحدث هذه الضجة، وتتصدر اهتمامات المواطنين، وبعض القنوات الفضائية الإعلامية لولا عمق الصورة وصدورها من الميدان أولا بأول، وانتشارها بسرعة فائقة... في حين أن النص الإعلامي المكتوب يظل نسبيا على الهامش؛ وليس في مقدورهـ حتى ولو تناولته كل الجرائد والمطبوعات والتقارير بما يكفي من العرض والتحليل لا سيما إذا استحضرنا حقيقة أن معظم المغاربة لا يقرؤون ولكن يشاهدون ، وفي مشاهدتهم يبرز العنصر الأمي الذي ينفعل ويعبر عن "غضبه" لصور المَشاهد التي تحملها له بين الحين والآخر مقاطع أشرطة الفيديو.

ويمكن النظر؛ بنفس المقاييس الآنية؛ إلى قضية "حافلة اغتصاب المرأة" والتي دوت في كل الأنحاء وأشعلت الفايسبوكيين ليصل صداها وبسرعة جنونية إلى كل المغاربة بل إلى خارج المغرب لتحتل صدارة الأخبار في العديد من القنوات الفضائية.

إذن الشخص الأمي المتلقي لمثل هذا الشريط؛ والذي موضوعه الجنس (داخل حافلة متحركة) بكيفية أو أخرى هو الذي أجج نيران الغضب في النفوس، علما أنه يرى الجنس بتلك الصور الخليعة والهمجية، فينتفض لمشاهدتها ويتعاظم لديه الانفعال قياسا مع شخص آخر متعلم أو مثقف؛ سبق له أن قرأ عن حوادث مماثلة؛ فسوف يتلقاها أولا باندهاش لكن سرعان ما يضعها في سياقها المجتمعي المريض .

الاحتيال على ثقافة الصورة (فبركة الصور)

عديد من الأنظمة السياسية والحكومات في العالم، وعيا منها بسحر الصورة وأثرها الاجتماعي، عمدت إلى تحليل الصورة وفك أجزائها بتقنيات إلكترونية جد عالية، لتعيد تركيبها وفقا لمضمون الرسالة التي تروم بثها في الأوساط الشعبية. وقد استخدمت هذه التقنية؛ بطرق زائفة؛ كأداة مقاومة سياسية ضد نظام سياسي معاد لنظام آخر؛ كأن تبث أشرطة زائفة أو مزيفة لا تمت بصلة إلى الواقع الحدث . شاهدنا أنماطا منها من خلال أشرطة دموية في حرب غزة لتنسب زيفا إلى "مجزرة" ارتكبت في حق دول أخرى ، كما أن حكومات ومنها المغرب عمدت إلى فبركة أشرطة فيديو .. للترويج "لمحنة" رجال أمن يتعرضون للرشق بالحجارة أو قنينا حارقة من طرف متظاهرين.

وتوجد في الأسواق أنظمة تكنولوجية متقدمة لفبركة أشرطة فيديو بالمواصفات المرغوب فيها؛ يستخدمها بعض الفايسبوكيين لابتزاز أشخاص؛ نساء وفتيات ورجال تحت طائلة إتيان أعمال" مشينة ومسيئة للأخلاق والقيم " وبالتالي فليس كل ما يروج من هذه السيولة الإلكترونية صحيحا أو مطابقا للواقع .. فالحذر الحذر !!

الفايسبوك .. أحد قتلة التعليم !

من الظواهر التي أصبحت مألوفة لدى جيل المتعلمين من الأساسي إلى التأهيلي فالجامعي .. وجود مواد وبرامج موسيقية وأشرطة فيديو منتشرة بين هؤلاء التلاميذ تملأ أوقاتهم وتغطي جميع أنشطتهم .. حيث أن المتعلم(ة) داخل قاعة الدرس أحيانا يكون على اتصال بفايسبوكيين آخرين لتبادل المواد أو التعليقات أو الدردشات والتغريدات ... مما يحول حضوره داخل المؤسسة فقط للبحث عن "السلع" الفايسبوكية لاستهلاكها ومن ثم الترويج لها، وهو ما يقتل لديه الرغبة في التعلم .. والحالة هذه أن مؤسساتنا التعليمية؛ ببرامجها ومناهجها ووسائلها الديداكتيكية؛ أصبحت متجاوزة وغير قادرة على مسايرة عالم الصورة وانتشار الفيديو كإحدى أبرز وسائل التعليم الحديث.