رأي

أحمد إفزارن: أباطرة الأكباش

"انتهت" ملايين الأكباش..

ودخلنا في وقت الحساب: حساب ما بعد "يوم واحد" ، ومنها مضاعفات الأعلاف الفاسدة، واللحوم المتعفنة، والأمراض، والأزمة الاقتصادية العامة..

لقد استهلكنا في يوم واحد، ما يفيد البلاد على مدار السنة..

والأباطرة حولوا الكبش إلى "موسم" للجشع، حتى على لحوم مشكوك في سلامتها..

التجارة الاندفاعية أعمت بصيرة حتى فقهاء وزارة الأوقاف، وصاروا هم أيضا يفتون بالسباق إلى هذه "السنة الحميدة"، حتى وهي ليست قاطرة اقتصادية، ما دامت ملايين الأكباش تذبح في يوم واحد، ما تستطيع به تغذية عام، ببلد يعاني الفقر وسوء التغذية وأمراضا كثيرة ناتجة عن استهلاك مفرط للحوم لا تخلو من فيروسات..

فقهاء المخزن، ومنهم أعضاء في المجالس التي يقال إنها علمية، وهي لا علاقة لها بعلوم العصر، يشجعون حتى من لا مأوى لهم للتسول من أجل شراء كبش..

وهم السبب في انتشار ظاهرة متسولي "العيد الكبير".. هؤلاء يتسولون من أجل الكبش..

وإلى جانبهم، ظهر "محسنون" يوزعون الأكباش بالمجان على الأرامل والفئات المعوزة، وعلى "الأصدقاء" المتمركزين في الإدارات..

وجل هؤلاء "المحسنين"، هم أنفسهم من أكبر تجار الأكباش..

- إنهم من "أباطرة الأكباش"!

يشبهون من يقفون وراء "لعبة الحظ".. أولاء يبيعون كثيرا من السيارات، ويدعون الناس إلى المشاركة في اللعبة، من أجل ربح "أحسن سيارة".. هل هؤلاء خاسرون؟ إنهم رابحون، بل أكثر من رابحين، ما داموا قد باعوا، مثلا، ألف سيارة، مقابل واحدة بالمجان..

وهم لا يعرفون إلا منطق الربح..

لا يهمهم "الثواب".. فتراهم أمام عدسات التصوير يوزعون مائة كبش، بالمجان، بينما هم في أسواق كثيرة باعوا مائة ألف كبش..

إنهم يتاجرون على ظهر الفقراء، وعلى حساب "دين الله"!

وفي الناس من يتسابقون إلى اقتناء "أحسن كبش".. وحولهم معوزون، ومحتاجون جدا، ولكن كرامتهم لا تسمح لهم بمد اليد..

فقراء كثيرون لا يعرفون معنى العيد.. وحولهم ٱخرون معتادون على مد اليد..

والدولة تشجع على الكبش.. لماذا؟ لأن المسؤولين الكبار في الدولة أغلبهم من رجال ونساء الاستثمارات الكبرى.. يهمهم أن ينتشر الجهل لكي يبيعوا أكثر..

وعلى العموم، جل كبار موظفي الإدارات، يتوصلون بأكباش مجانية من هنا وهناك.. مناصبهم تخولهم التواصل الكبشي مع عدة مصادر..

وفي هذا "الموسم" الجنوني، يتحول الكبش إلى نجم.. ولا نجم سوى الكبش.. بينما هو قد ألصقوه بالدين، وما كان فريضة بل قيل إنه "سنة".. وهذا موضوع قابل لنقاشات..

لكن فقهاء المخزن يتجنبون أي نقاش، ما دام رجال ونساء الدولة من أكبر المستفيدين من تجارة الأكباش..

وفي وقت الحمى بالأسواق، يجدها البعض فرصة للتظاهر أمام سكان حيه بالقدرة المالية على شراء كبش مفتول القرون..

وفقهاء المخزن، وتوابعهم، يتحدثون إلى الناس باسم "السنة النبوية"، لحثهم على التضحية بمدخراتهم، وبضرورة الائتلاف، وبيع ما يملكون، لكي يكون لهم كبش العيد الكبير، ويحظوا بثواب "الذبيحة"..

هذه هي العقلية المنتشرة..

- فهل هذه هي أحسن أمة؟

أمة تفقر نفسها بنفسها، في إطار دولة سياستها تفقيرية، بتحريض من مجالس تابعة لوزارة الأوقاف..

فما هو الدين يا وزارة "العيد"؟ هل الدين أكل وشرب؟ وتوسيخ للأحياء والشوارع؟أم الدين أخلاق؟

- أين هي مكارم الأخلاق؟

ولفائدة من يستغلون رسالة السماء، ذات الطابع الروحي، لكي يوفروا لأباطرة المال مزيدا من زبناء الأكباش؟

لماذا لا يقولون للناس: الكبش ليس فريضة.. وحتى في دول إسلامية لا "يعيد" الناس بالكبش؟ لم لا يقولون لهم: حرام عليكم أن تستلفوا أو تتسولوا من أجل كبش؟

وسؤال إلى وزارة الأوقاف: هل البلاد تعبد الله؟ أم تعبد الأكباش؟

ولماذا لا يقول فقهاء المخزن للناس ما يجب أن يقال في ربط الكبش بالمدرسة؟ لماذا يتحاشون أن يذكروا للناس أن المدرسة أولى بالمصاريف؟.. وأنه بدل الكبش، على الأسرة أن تشتري لوازم الدراسة.. إن الله يأمر بالقراءة، فهيئوا لأطفالهم ظروف التعليم، لكي ينشأوا على عقل سليم..

لماذا لا يقول فقهاء المخزن للناس: علموا أطفالكم كيف يواظب أطفالهم على الدراسة، ويترعرعوا مواطنين صالحين، متعايشين، متعاونين؟

لكن المخزن، ومعه فقهاؤه، يفضلون الكبش على المدرسة٠٠ يبررون سياسة التفقير والتجهيل التي نهجتها الدولة، ضد الأغلبية الساحقة من المجتمع، ولفائدة أباطرة المال والأعمال..

وما زالت الأسئلة الكبرى مطروحة: ما الأفضل، الكبش أم المدرسة؟ وأين بينهما الواجب الوطني؟والإنساني؟ هل في اللحم والشحم؟ أم في العقل؟وتعالوا إلى اللوبيات التي تخدمها فتاوى وزارة الأوقاف..

هؤلاء أثرياء.. لو أدوا الزكاة فقط، لصندوق عمومي نزيه، لكان للتٱزر الاجتماعي معنى وأي معنى!

لكن لا خير في لوبيات تستغل كل شيء، حتى الدولة نفسها.. الدولة باتت في قبضة لوبيات.. وبلادنا ما زالت تحت سيطرة لوبيات إحداها تهيىء عقول شبابنا لأن يؤمنوا بأن الأكباش هي أيضا من الفرائض..

وفي الناس من يعانق الكبش ويقبله، و"يتصور" معه، وكأن هذا حب لحيوان أليف، بينما هو "حب الجزار للكبش"!

وفيهم من يردد أن الكبش يستمد قداسته من سيدنا إبراهيم..

ولا نهاية "لاجتهادات" الشارع، أمام انحراف مؤسسة الأوقاف التي لا تؤازر الفئات المعوزة، مالا وفكرا، بل تؤازر تجارة بلا حدود، تعود مرة في العام، هي تجارة: "أباطرة الأكباش"!