رأي

صباح لحسيني: النضال الفكري من اجل التنمية والمشروع الصعب

ونحن نطمح إلى حياة أفضل كنا نعير للمجال الفكري أولوية قبل أي مجال آخر، وذلك لأننا كنا نعي أن جيلنا ربما أخطأ كثيرا عندما ركز في اهتماماته على نضالات الافتراض وكأنها الحل السحري لكل المشاكل ، ولم يفكر في الواقع وفي التزود بالثقافة لحل كل المشاكل الهائلة التي تقف في وجه أي تنمية.

فالثقافة مطلب أي نضال ، وهي من اكبر التحديات التي تساهم في تطويرنا مستقبلا ، وهي التعبير الفكري عن الأحداث والمناداة بالتغيير، وفقدان هذا التعبير الفكري إنما يسير بوضوح إلى الامتثال لقيم أخرى تزيغ عن مصالح المجتمع ، إذن نحن نحتاج إلى الثقافة في نضالاتنا لأنها تؤثر على أنماط سلوكنا الإنساني وتحفزنا إلى السير إلى الأمام.

حين نتحدث عن النضال كمشروع صعب ، لابد أن نتحدث عن واقع بعض النضالات اليوم التي أخذت شكلا جديدا يقبع تحت التبعية لبعض الأحزاب التي أضحت هي التي تنظم لها أساليبها دون أن تترك لها التعبير عن ذاتها ، ليصيبها الكساد والفشل ، ليبقى لنا سوى التحسر على تجارب الماضي التي كانت لها المكانة التي تستحقها ، فيكفي أنها وقفت في وجه عدة زوابع وحاولت العصف بأفكارها والتي للأسف أوصلت الكثير منها إلى المعتقلات قبل أن تتحول اليوم إلى نموذج نتمنى ملامسته اليوم في زحمة الراغبين في تنمية خادعة كاذبة التي تغطي على ممارسات لا تساهم إلا في رجوعنا إلى الوراء ، تنمية لم تتضح ولم تكتمل معالمها لحد الآن.

ففي غمرة  ما ينتاب واقعنا الآن من أحداث وصراعات وتضارب المصالح تبقى عدة أسئلة تطرح نفسها بقوة حول : هل ثمة من مكان لأي نضال فكري اليوم ؟ وهل ستنجح الأجيال الصاعدة في ذلك من دون خوف أو إحباط ؟ وهل ستمتلك هذه الأجيال الصاعدة القدرة على احياء نضالات فكرية كموروث ثقافي دون أن تسحقها أو تقضي عليها ؟

الوضع صعب بالنسبة للكثيرين ، لكن يمكننا القول أن أجيالنا قد تستطيع ذلك إذا استطاعت النجاة من الغرق في مستنقعات بعض الساسة التي قد تتجاهل التنمية ولا تنظر إلا إلى مصالحها ، تستطيع ذلك وبكل تأكيد إذا أقدمت على مجابهة الفساد باستئصاله والقضاء عليه بتطوير آلياتها لتستأنف النضال الفكري مجددا.

ففي الأمس القريب وقبل اجتياح التكنولوجيا المتطورة لعالمنا ، كانت النضالات بطولية تعتمد على الثقافة والفكر والجرأة الكبيرة حيث بنيت قلاعا كثيرة عن طريق كتابات استنهضت الهمم لمواجهة كل التناقضات ، وحاولت رصد ظواهر وحقائق كثيرة ، وكشفت ممارسات عدة منها السليمة ومنها المنحرفة ، وهكذا كان للنضال الفكري دور كبير في تحقيق قفزة نوعية ، وكيف لا وقد تبنى ذلك مناضلين تسلحوا بالوعي والعلم الذي لا يعترف إلا بالواقع الملموس والمحسوس من اجل التفوق في كل المجالات ، ومن اجل تغيير جذري وإنارة صورة بلدنا الحبيب وجعله أكثر تطورا .

النضال الفكري الذي صنع مغربا متطورا في الأمس القريب ربما هو ما ينقص جيلنا اليوم ، فالمدارس قد تحولت إلى معمل لتخريج الملايين والذين يحملون الشهادات قد لا يتجاوزون بها سوى أمية القراءة والكتابة ، مدارس  لا تعتمد سوى على سيطرة التلقين الذي لا يسمح بظهور التعبير الشخصي في البحث وإنما ينظر إلى تجارب ثقافية أخرى، فعندما يغيب العلم كصيغة جديدة ويغيب دور العقل لا يمكننا الحديث عن أية تنمية مستدامة .

هناك كتاب ومفكرون معروفون ساهموا بمساهمات لا زالت بصماتها حتى الآن ، وثقت لنضالات لا بد من الاعتراف بها وتقديرها ، لان النضال الفكري اليوم أصبح نادرا إما لان هناك من اختاروا العزوف عن استئناف نضالاتهم لان الإحباط والحيرة والخوف قد أصابهم ، واما لأنهم لا يعرفون ما سيكتبون ماهي حدود المسموح وماهي حدود الممنوع ، فاختار الكثير منهم دور المتفرج خوفا من القمع أو التضييق آو الاعتقال الذي لا يمكن تجاهله ، فمحاصرة حرية التعبير بلا ريب أضحت هاجس كل مناضل قد اختار زاوية الكتابة لمعالجة بعض القضايا.

إذا كانت النضالات اليوم قد زاغت عن طريقها ، فلأن غياب حد معين من الأمانة في تصوير الواقع ، وفضح بعض الممارسات التي تحتاج نضالات مستميتة من اجل التغيير، ولان الحماس والتفاؤل من اجل غد أفضل كان غائبا وكانت مكانه عقدة الخوف من القادم .