تحليل

100 يوم من الأزمة..

عبد اللطيف وهبي

لن تجالس خلال الشهور الأخيرة مغربيا إلا وكان حديثه منصبا عن الأزمة الاقتصادية، يبدأها ذاتيا ثم يعممها وطنيا، فيحدثك عن أزمة العطلة وأزمة العيد، عن أزمة الدخول المدرسي وغيرها، بل أغلبهم يقول إنه لم يعد باستطاعته ماليا أن ينهي الشهر دون أزمة، فما بالك بالسنة؟

أما المهتمون بالشؤون الاقتصادية والمالية للوطن، فهم بأنفسهم يحدثونك عن هذه الأزمة، بل منهم من يجزم أن القانون المالي للسنة المقبلة (2018) سيكون أكثر تقشفا، ربما، أكثر ما عشناه خلال سنوات التقويم الهيكلي لثمانينيات القرن الماضي.

فانعكس كل ذلك بشكل مباشر على عالم المال والأعمال ببلادنا، فلا أحد من المستثمرين الخواص يريد أن يستثمر أو يغامر أكثر في ظل خطاب الأزمة، والحكومة نفسها عجزت عن توقيع أي اتفاقية استثمار مهمة منذ تعيينها، وكأننا نواجه سنة بيضاء ولماذا لا نقول سوداء، إذ لا استثمار ولا أعمال فيها.

وفي هذا الجو المتشائم أصبح الناس جد مستاءين، خاصة حين انتقلت الأزمة إلى المجال الفلاحي ومست الفلاحين، وأصبح المنتوج معروضا بوفرة ولا مشتر، حتى إن منهم من بدأ يرفع رأسه إلى السماء متسائلا هل ستكون أزمة مطر لا قدر الله السنة المقبلة؟ قد تعمق من أزمة الموسم الفلاحي السابق الذي تكبد خلاله الفلاحون «الكبار» الخسائر، بعدما أقفلت الأسواق الدولية أبوابها في وجه منتوجاتهم، فبماذا سيستثمرون هذه السنة؟ وحتى لماذا سيزرعون والأوروبيون ساروا يفتحون لنا أبواب المحاكم عوض الأسواق؟

في مقابل كل هذه الأزمة نجد أن الحكومة منشغلة بالتفنن في خلق خطاب ما بعد 100 يوم على تعيينها، فالأهم عندها أن تبحث عن مساحيق لتجميل وجهها الاقتصادي، في تحد لمرارة الواقع وللحالة النفسية الاقتصادية المدمرة، فانشغلت مكوناتها في توزيع الاتهامات وتشريح الذات، ونسيت أن الأهم هو النهوض بالاقتصاد الذي هو شرايين الحياة والاستمرارية داخل أي بلد.

الحقيقة لا ننتظر من الحكومة أن تقدم لنا أرقاما خاطئة، ولا حلولا مزيفة، ولا نتمنى كمعارضة أن نركب على هفواتها لنجمل صورتنا، بل نحن مستعدون أن لا نجلد الحكومة من أجل أزمة قد تأتي على الأخضر واليابس، فقط نريد منها أن تقول الحقيقة للمواطنين، حقيقة وضعنا المالي، وحقيقة أرقام ومؤشراتنا الاقتصادية، حتى يعرف المواطن الوضعية الحقيقية لاقتصاد البلاد البادية للعيان من خلال الحياة اليومية، فهل نحتاج إلى خطاب ملكي اقتصادي مثل خطاب العرش السياسي لنكتشف الحقيقة، أم إن الانتظارية قد طالت الاقتصاد كما السياسة؟

إن دور المعارضة ليس هو التفنن في تصيد أخطاء الحكومة، بل هو المصلحة العامة للوطن، وهذه الأخيرة تقتضي مساعدة الأطراف ومساهمة الجميع في إيجاد الحلول الإيجابية للقضايا والتحديات الكبرى المطروحة على بلادنا والتي تهم المواطن ككل، وهو اختيار يبدأ أولا بقول الحقيقة للمواطنين.

الحقيقة لا تكمن فقط، في ذلك الشعور النفسي المحبط عند المواطن تجاه الاقتصاد الوطني، ذلك أن وضعية المواطن، خاصة من ذوي الدخل المحدود هي ميزان حرارة الوضع الاقتصادي، إذ إن اقتصاده الشخصي اليومي المعيش يمكنه من معرفة حقيقة الوضعية الاقتصادية للمرحلة التي يعيش فيها، والشيء نفسه بالنسبة إلى المواطن الغني المستثمر صاحب الرأسمال. ثم إن تخبط هذا الأخير في الأزمة الاقتصادية وفشله في حماية ماله ومصالحه تجعله أكثر تخوفا من المستقبل، وتحوله إلى أحرص الناس على الانزواء وعدم المغامرة بالمزيد من الاستثمارات، بل في كثير من الأحيان يفكر في توقيف مشاريعه القائمة قبل إلغاء برامجه المستقبلية.

فهل نكتفي بأدلجة خطاب 100 يوم من عمر الحكومة؟ أم نقول الحقيقة للمواطن ونواجهه بالمعطيات الحقيقية، تم نناقش وننخرط جميعا في البحث عن أفضل السبل لإنقاذ اقتصاد الوطن ككل؟ أما تسجيل الانتصارات السياسية الوهمية لهذا الطرف أو ذاك، فلا ينقذ وطنا ولا يحل مشكلة، لأن مسؤولية السياسيين تكمن في حماية الوطن وليس ترميم اللغة، لأن هذه الأخيرة قد تكتب شعرا، ولكن لن تحل مشكلة، وأقل شيء يمكن أن يجسد احترامنا للمواطن هو قوله الحقيقة، على الأقل لنبني معه جسور الثقة.