قضايا

إصلاح التعليم: مغالطات ينبغي تصحيحها !

عبد الله الحلوي

جميع المغاربة يتفقون على أننا في حاجة إلى إصلاح التعليم وتحويله إلى مؤسسة تشجع على الإنتاج والإبتكار. لكن هناك مغالطات سائدة كثيرة قد تدفع بصانع القرار، إذا لم ينتقدها بدقة، إلى اتخاذ قرارات خاطئة. أذكر لك في هذا المقال ستة من هذه المغالطات أتمنى أن تساهم في التفات المثقفين وصانعي القرار والفاعلين إلى الأسباب الحقيقية لتردي المنظومة التربوية بمغرب اليوم.

مغالطة "كل ما نحتاجه هو مزيد من المال!"

شكلة الإبتكار في بلدنا هي بكل بساطة مشكلة إمكانيات .. أليس كذلك؟ فلو زادت الدولة في نفقاتها المالية على التلميذ المغربي بما يحسن شروط تعلمه، لأصبح التلميذ المغربي مبتكرا ومبدعا .. أليس كذلك؟ .. إذاكنت تؤمن بهذه النظرية، فاعلم أنك تؤمن بأسطورة قد تكون لها نتائج مدمرة ... خصوصا إذا شجعت صانع القرار على الإكتفاء بالزيادة في النفقات لخلق ثقافة ابتكارية .. الدليل؟ .. تنفق السعودية على كل تلميذ من تلاميذها 2916.7 دولار سنويا (قريبة من نيوزيلاندا سنة 2003! 3074.6 سنويا). بينما لا ينفق المغرب على كل تلميذ من تلاميذه سوى 365.9 سنويا ... هل هذا الفرق جعل السعودية أكثر ابتكارية من المغرب؟ نتفاوت في مقادير النفقات على التعليم ونتساوى في الجهل... المدرسة المنتِجة المبتكِرة شأن قائم الذات إما أن يكون صانع القرار عالما بأسراره وإما أن لا يكون كذلك.

مغالطة "مدرستي حلوة!"

من الغريب أن التقريرين التحليل والإستراتيجي الصادرين عن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي لم يناقشا مشكلة جاذبية المدرسة بالنسبة للأطفال. فهل لا يزال صانع القرار متأثرا بأيديولوجية "مدرستي حلوة، مدرستي جنة" التي كانت تفترض بأن المدرسة مكان ممتع بالنسبة للطفل؟ .. "مدرستي حلوة، مدرستي جنة!" ... هل تتذكرون هذا النشيد الذي يُدفع فيه الأطفال دفعا للكذب ..؟ هو كذب لأن التلاميذ يعلمون أنها ليست "حلوة" وليست "جنة". الدليل؟ .. الدليل نجده في التقرير التحليلي للمجلس الأعلى نفسه: معدل السنوات التي يقضيها التلميذ المغربي في المدرسة هو 4،72 سنة، بينما معدل السنوات التي يقضيه الطفل الياباني في مدرسته (حسب نفس التقرير) هو 11 سنة! ... لو كانت المدرسة "حلوة" و"جنة" لما هرب منها التلميذ المغربي بهذه السرعة! المدرسة ليست عالما جذابا بالنسبة للطفل، ولا يمكن إصلاح التعليم إلا بجعل التلميذ يستمتع بها بدل أن ينفر منها.

مغالطة "التعليم في المغرب سيِّء"!

التقارير الدولية لا تقول بأن منظومتنا التربوية سيئة، بل تقول إن منظومتنا التربوية تزداد سوءا سنة بعد سنة. الدليل؟ .. حسب تقرير TIMSS مستوى تلاميذنا في الرابعة ابتدائي في مادة الرياضيات سنة 2003 هو 347، وسنة 2007 هو 341، وسنة 2011 هو 335. نفس الشيء ينطبق على تلاميذ الثانية إعدادي. مستواهم سنة 2003 هو 387، وسنة 2007 هو 381، وسنة 2011 هو 371.

هذا يعني أن مستوى تلاميذنا ينقص بمعدل 7 نقاط بعد كل 4 سنوات! إن الأمر لا يتعلق ب"رداءة التعليم" فقط، بل بسقوط حضاري خطير ينبغي تداركه!

مغالطة "الحل هو نشر التعليم"!

إذا عمّمنا التعليم فزدنا من عدد المتعلمين، فإن اقتصادنا سيتطور وسنصبح متقدمين ... أليس كذلك؟ .. هذه أيضا أسطورة وأيديولوجية من أيديولوجيات المدرسة الفاشلة! ...

في 2014، استطاعت الفيليپين أن تصل إلى تعميم التعليم على 72% من الساكنة، لكن دخل الفرد في هذا البلد لم يجاوز 1800 دولار، بينما لم يتجاوز تعميم التعليم في نفس السنة 55% في التايوان لكن الدخل الفردي وصل إلى 18000 دولار (أكثر عشر مرات من الدخل الفردي في الفيليپين).

وفي الأرجنتين وصلت نسبة التعليم في نفس السنة إلى 91% ولم يتجاوز الدخل الفردي فيها 7000 دولار، بينما لم يتجاوز تعميم التعليم في كوريا الجنوبية 71% ووصل الدخل الفردي فيها 21000 دولار! ..

ما السر في هذه التفاوتات؟ .. السر هو أن صناع القرار في التايوان وكوريا الجنوبية ضخوا منسوبا عاليا من الثقافة الإبتكارية في منظومتهم التربوية، بينما لم يفعل نظراؤهم في الفيليپين والأرجنتين نفس الشيء. سر الوثبة الحضارية نحو الأمام هو ضخ الثقافة الإبتكارية في المنظومة التربوية والمجالات المنتجة للثروة ..

مغالطة "أعط المدرسين نقودا أكثر"!

هل غياب الثقافة الإبتكارية من منظومتنا التربوية راجعة لتدني أجور المدرسين؟

يجب أن ندافع عن تحسين وضعية المدرسين حتى يكونوا أكثر عطاء وأكثر إحساسا بالأمان. لكن غياب الثقافة الإبتكارية في المنظومة التربوية ليست مرتبطة بأجور الموظفين.

تنقيط المغرب الخاص بأجور المدرسين هو: 3،7 في التعليم الاساسي و5،5 للتعليم الإعدادي. لذلك فنحن أفضل حالا من دول كثيرة منظومتها التربوية أفضل بكثير من منظومتنا: تنقيط هنغاريا في الأجور هو 0،8 في الاساسي و0،8 في الاعدادي. تنقيط ماليزيا في الأجور هو 0،6 في الاساسي و0،8 في الاعدادي. تنقيط التايوان في الأجور هو 1،3 في الاساسي و1،3 في الاعدادي.

ضخ الثقافة الإبتكارية في المنظومة التربوية شأن قائم الذات لا يمكن تدبيره إلا بواسطة صانع قرار يفهم أسرار هذه الثقافة وطرق تثبيتها.

مغالطة "صُبّ مزيدا من الزيت في المصباح"!

هل أزمة التعليم بالمغرب راجعة لمحدودية المخصصات المالية لقطاع التعليم؟ ... هل أزمتنا هي أزمة موارد؟ الجواب هو:لا. سنة 2010 كانت نسبة المخصصات المالية لهذا القطاع هي 6،3% من الناتج المحلي العام في المغرب ... وهي نسبة تفوق نسبة المخصصات المالية للتعليم في الهند (3،2%) والمكسيك (حوالي 5%) ومصر (أقل من 4%). قد تقول بأن الناتج الداخلي العام في هذه البلدان مرتفع بالمقارنة مع المغرب. صحيح ولكن عدد السكان (وبالتالي عدد التلاميذ والطلبة) مرتفع أيضا بشكل كبير جدا في هذه البلدان.

أين يكمن الخلل إذن؟ .. يكمن الخلل في أن الدولة تنفق على التعليم ولكنها تنفق بشكل محدود جدا على قطاعات التكوين التي تحتاج لذهنية مبتكرة، أي قطاع "البحث والتنمية R and D التي لا يتجواز مستوى الإنفاق عليها في المغرب 0،2 من الناتج الداخلي الخام لكنه يصل في اليابان والسويد مثلا إلى نصف ما ينفق هذان البلدان على قطاع التعليم.

خاتمة

البداية الصحيحة لإصلاح التعليم في المغرب هي التحرر من الفهم الخاطئ للمشاكل الحقيقية لهذا القطاع.