قضايا

إيمان الوراثة و"غوغائية رجال الدين" يخلفان مآسي العالم

جواد مبروكي

تأثري بالقيم الإنسانية العالمية وخبرتي كمفكر ومحلل نفساني للمجتمع المغربي يدفعاني إلى أن أتقاسم معكم نظرياتي وتشخيص أسباب تعثر وتقدم المجتمع وحداثة الفكر المغربي وتحقيق التعايش الحقيقي والمطلق.

ماذا يجري في الواقع المغربي؟ أنت تؤمن بِدينٍ ما وتعتبره حقيقة إلهية مطلقة، والآخر يرى أن دينك مجرد خرافة ومجرد اختراع بشري، ويبدأ مسلسل الجدال والنزاع والعداوة، ولا يعود المجتمع يعيش في الروح والريحان بين كل الأديان.

إن أسباب كل هذه المآسي والعذاب، وحتى القتال في بعض بقع العالم، ليس الإيمان أو الاعتقاد أو الدفاع عن الدين؛ بل هو أعمق من هذا بكثير وبإمكاني تقسيمها على الشكل الآتي:

1- غوغائية رجال الدين

للأسف، يحثّ رجال الدين بشكل مباشر وغير مباشر أتباعهم على كراهية مختلف الأديان وأتباعها باعتبارهم أعداء وهدفهم إتلاف دينهم الصحيح بنشر "فكر المؤامرة" و"فكر الكفار" وبأنهم "أعداء الله" وليس فقط أعداء دينهم! وكيف لنا أن نتهم المؤمن بأي دين كان بأنه "عدو الله"، في حين أنه يناجيه بكل نيته الخالصة في الليالي والأصباح؟ إذا تأملت مليا وطرحت السؤال الآتي على نفسك: أي دين "أنا" أتآمر عليه وأسعى إلى إتلافه وأخطط لدماره؟ تجد أن هذه الأفكار غائبة من ذهنك تماماً وفي الوقت نفسه هناك رجال الدين من معتقدات أخرى يتهمونك أنت كذلك بهذه المؤامرات كما غسل رجال دينك دماغك وجعلوك تعتقد أن لك أعداء!

2- جهل كيفية تقديم الدلائل على حقيقة الدين

الطقوس والأدلة العلمية التي تتغير مع تقدم العلم عبر الزمان والمقارنة بالجدال ليست الدليل على صحة أو حقيقة أي دين كان! أما الكراهية والعداوة هي أحسن دليل على خرافة الدين! تأمل مليا واطرح على نفسك السؤال الآتي: هل هناك إنسان أقوى فكريا وإيمانا بالحقيقة الإلهية لدين ما أكثر من الرسل؟ وهل هؤلاء الرسل استطاعوا بأنفسهم إقناع كل محيطهم الاجتماعي آنذاك في حياتهم؟ بل اضطهدوا ومنهم من قُتلوا! فإذا عجز الرسل عن الإقناع كيف لك أن تزعم أنت بأنك قادر على هذا وتشرع في الجدال؟

في الواقع، لم يعجز الرسل عن هذا؛ ولكن كان هدفهم هو تلقين الدرس التالي: الإيمان مسألة روحانية شخصية، ولا ينفع معها الدلائل. وبمعنى آخر، "تؤمن أو لا تؤمن" يبقى احترام الإنسان كمخلوق إلهي مهما كانت أفكاره ومعتقداته والاحترام بالأعمال وليس بالأقوال.. وهذا هو الدليل القاطع لحقيقة أي دين، وهذا ما قام به كل الرسل!

3- الإيمان بالوراثة

هذا من أخطر الأمور التي تجعل المغربي يجهل مفهوم الدين وأهدافه واليقين في إيمانه ببحثه الخاص وليس بالوراثة! ليتأمل القارئ مليا، ويطرح على نفسه السؤال الآتي: لو وُلدتُ داخل عائلة تعتقد بدين آخر غير ديني الحالي وأعتبره دينا إلهيا وآخر الأديان..

وبطبيعة الحال، سيكون لي الاعتقاد نفسه بالوراثة حتميا، فكيف سيكون حكمي على الديانات الأخرى وحتى على ديني الحالي؟ إذا وُلدت داخل عائلة تعتقد باليهودية مثلاً فكيف سيكون حكمي على المسيحية والإسلام والبهائية؟ إذاً، هل أنا بالفعل مؤمن ببحثي الشخصي عن الحقيقة أم بالوراثة فقط؟ حقيقتك الآن بإمكانها أن تكون خرافة لو وُلدت داخل دين آخر؟ فبأي حجة تؤمن بدينك الحالي وحتى بالله؟

4- الدفاع عن "الأنا"

كل ما في الأمر هو غرور النفس أمام من يعتبر دينك خرافة، حيث تشعر بجروح مؤلمة بِـ"الأنا"، وتقوم بالدفاع بكل جوارحك عن "الأنا"، وليس عن الدين؛ لأن كل الرسل لم يدافعوا عن رسالاتهم، بل تركوا الناس في آرائهم واعتقاداتهم بكل سلمية ومحبة ولطف وكلام طيب.

5- الخلط بين الدين وبين "الإنسان" المؤمن بما طاب له

أي إنسان يؤمن بِدينِ ما فإن المهم هو احترام الإنسان كإنسان واحترام إيمانه، ولو كنت تعتبر دينه خرافة؛ لأن آخرين يعتبرون دينك كذلك خرافة! لا بد أن يكون شخص بليد مثلاً في وسطك ولكن تحترمه، بالرغم من بلادته. ولن تستطيع أبدا أن تعلن له عن بلادته احتراماً له، وإن فعلت ذلك سيحل البغض والنزاع والعداوة معه ومع عائلته وأصدقائه. وهذا يتنافى مع روح الدين والإنسانية ووحدتها، ولهذا تحترمه وتحافظ باعتقادك على بلادته والشيء نفسه مع الذي يؤمن بشيء تراه خرافة، والعكس صحيح.. وبهذا السلوك الروحي يقع الصلح والاتحاد والوحدة والتعايش بين كل الأديان والمعتقدات كانت دينية أم لا.

*طبيب ومحلل نفساني