تحليل

حالة التنافي من وجهة نظر قضاة المحكمة الدستورية ورؤية الأستاذ بنعبد الله

مصطفى قلوش

الأمر الذي لا مرية فيه، هو أن جل الذين تفحصوا ما ورد في قرار المحكمة الدستورية رقم 02-17، المتعلق بتحقق حالة التنافي وما ينجر عن ذلك من نتائج، بخصوص النواب الأحد عشر، الذين عينوا بظهير شريف في حكومة السيد سعد الدين العثماني؛ لم يروا فيه نقيصة أو مثلبة أو مساءة، جراء الاعتقاد باتساق القرار مع مقتضيات المادة 14 و 90 من القانون التنظيمي رقم 27-11 المتعلق بمجلس النواب، الصادر الأمر بتنفيذه بتاريخ 14 أكتوبر 2011.

والأمر الجلي هو أن القرار رقم 02-17 أتى خلوا من أية إشارة إلى القانون التنظيمي رقم 065-13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، الصادر الأمر بتنفيذه بتاريخ 19 مارس 2015، الذي ينص في المادة 35 منه على إجراءات خاصة متعلقة بوضعية التنافي، مغايرة تمام التغاير لما هو مقرر في المادة 14 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب.

ومثل هذا التغاير والتباين والاختلاف هو الذي أضفى غير قليل من الأهمية على مقال الأستاذ محمد أمين بنعبد الله، المنشور في جريدة «لكونمست» بتاريخ 19 يوليو 2017 بعنوان «برلمانيون معينون وزراء : ماذا يقول القانون حقيقة حول شغور المقاعد؟».

ولبيان وجه الصواب أو الخطل بخصوص ما انتهى إليه جهابذة قفهاء المحكمة الدستورية، وكذلك ما ارتآه الأستاذ أمين بنعبد الله في تعقيبه على حيثيات القرار ومنطوقه، نرى معالجة موضوع حالة التنافي بين العضوية في مجلس النواب واكتساب صفة عضو في الحكومة، وفق البيان التالي.

فحوى القرار رقم 02-17 المتعلق بحالة التنافي

عقب تعيين الملك لحكومة سعد الدين العثماني بمقتضى الظهير الشريف

رقم 1.17.07 الصادر بتاريخ 7 أبريل 2017، راسل رئيس مجلس النواب في 10 أبريل 2017 المحكمة الدستورية، ملتمسا في رسالة الإحالة، الإعلان عن شغور مقاعد أحد عشر عضوا من أعضاء مجلس النواب، جراء تعيينهم أعضاء في الحكومة، وذلك وفق مقتضيات المادة 14 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب.

والمادة 14 سالفة الذكر تنص في فقرتها الأولى والثانية على ما يلي :

«- تتنافى العضوية في مجلس النواب مع صفة عضو في الحكومة.

- في حالة تعيين نائب بصفة عضو في الحكومة، تعلن المحكمة الدستورية، بطلب من رئيس مجلس النواب، داخل أجل شهر، شغور مقعده».

والمحكمة الدستورية بعد بيانها للمرتكزات القانونية التي يتأسس عليها القرار

رقم 02-17، قضت بعد اطلاعها على الظهير رقم 1.17.07 الصادر بتاريخ 7 أبريل 2017 المتعلق بتعيين الحكومة برئاسة السيد سعد الدين العثماني؛ بأن النواب الأحد عشر يوجدون في وضعية التنافي، بسبب تعيينهم أعضاء في الحكومة المشكلة في 5 أبريل 2017؛ مما يتولد عن ذلك التصريح بشغور المقاعد التي كانوا يشغلونها بمجلس النواب، مع دعوة المرشح الذي يرد اسمه مباشرة بعد آخر منتخب في كل لائحة من لوائح الترشيح المعنية لشغل المقاعد الشاغرة طبقا لمقتضيات المادة 90 من القانون التنظيمي رقم 27-11 المتعلق بمجلس النواب.

وما تم التصريح به في نطاق القرار رقم 02-17 الموقع عليه في عهد المحكمة الدستورية، يتطابق من حيث الشكل والجوهر مع فحوى القرار رقم 827-12 الموقع عليه من طرف أعضاء المجلس الدستوري بتاريخ 19 يناير 2012. وفي إطار هذا القرار الأخير تم التصريح بتحقق حالة التنافي بخصوص 12 عضوا برلمانيا، بمن فيهم عبد الإله ابن كيران، بسبب تعيينهم أعضاء في الحكومة التي ترأسها ابن كيران بتاريخ 3 يناير 2012، مما استوجب بناء على المادة 14 من القانون التنظيمي رقم 27-11 المتعلق بمجلس النواب، الإعلان عن شغور مقاعدهم، وتفعيل مسطرة الحلول (التعويض) المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 90 من ذات القانون التنظيمي.

والذي يلاحظ على القرار رقم 02-17 بالصيغة التي حرر به وكذلك المرتكزات القانونية التي ينبني ويتأسس عليها، أن وضعه يستقيم ويتناغم مع المادة 14 و 90 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، مما يجعل القرار مبرأ من أية نقيصة أو مساءة، ومن ثم لا تثريب عليه من حيث فحواه ومنطوقه.

بيد أن القرار موضوع الدراسة والتحليل، هو في حقيقة أمره وواقع حاله، منتقد ومعيب، لما يشوبه من عوار وقصور، حيث العلة في ذلك قد تكون راجعة إلى الجهل بوجود القانون التنظيمي رقم 065-13 المتعلق بالحكومة، وهذا ليس ببعيد بالنسبة لجل أعضاء المحكمة الدستورية؛ وقد يكون السبب عائدا إلى الجهة التي أعدت القرار والتي حرصت على تعمد التدليس متوسلة في ذلك عدم الإشارة إلى المادة 35 من القانون التنظيمي سالف الذكر، بغاية إخفاء الغميزة الكامنة في هذه المادة التي يعود الفضل للأستاذ أمين بنعبد الله في لفت النظر إلى وجودها وإلى كونها هي الواجبة التفعيل بدل المادة 14 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب التي يراها منسوخة، باعتبار أن القاعدة القانونية اللاحقة تلغي القاعدة السابقة مادامت القاعدتان المتعارضتان تعالجان ذات الموضوع.

وفيما يلي بيان لرأي الأستاذ محمد أمين بنعبد الله.

وجهة نظر الأستاذ محمد أمين بنعبد الله

يرى صاحب المقال أن إعلان المحكمة الدستورية بتاريخ 12 أبريل 2017 عن شغور مقاعد الأحد عشر نائبا المعينين وزراء قد تم بالاعتماد على المادة 14 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب؛ على غرار الحكم الذي سبق للمجلس الدستوري أن اتخذه في قراره رقم 827-12 الذي قضى فيه بشغور مقاعد النواب الإثنى، جراء تعيينهم في حكومة عبد الاله ابن كيران.

ويرجع الباحث السبب فيما قضت به المحكمة الدستورية إلى كون أعضائها قد غهب عنهم أن الوضع قد تغير تماما، عقب صدور القانون التنظيمي رقم 065-13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها، الذي دخل حيز النفاذ في 2 أبريل 2015. لأن المادة 35 من هذا القانون التنظيمي تنص صراحة على أن احتساب أجل تسوية الوضعية لا يبدأ إلا مع حصول الحكومة على التنصيب البرلماني. لذلك، فإنه لو أخذت المحكمة الدستورية بهذا المستجد المنصوص عليه في المادة 35، لما قضت بوجود حالة التنافي التي تبرر الإعلان عن شغور المقاعد، مادامت الحكومة لم تنصب بعد.

ويتولد عن هذا المعطى كما يرى الباحث، أنه في حالة تعيين الحكومة وتعذر عليها الحصول على التنصيب، فإن النواب البرلمانيين المعينين أعضاء في الحكومة، لا يحتاجون إلى تسوية وضعيتهم، لأنهم سيستردون صفتهم الأصلية، ويعودون تبعا لذلك إلى ممارسة مهامهم الأولى كنواب للأمة.

ويعقب صاحب المقال على قرار المحكمة الدستورية، بأن رئيس مجلس النواب وقد قرر مراسلة المحكمة بخصوص النواب المعينين وزراء، فإنه كان من المتعين على المحكمة عدم التسرع في الرد، ودراسة موضوع المراسلة على ضوء الإطار القانوني المنظم للحكومة مع مراعاة السياق الذي قدم فيه؛ وخاصة أن المادة 35 تنص صراحة على أن سريان أجل تسوية الوضعية لا يبدأ إلا من تاريخ تنصيب مجلس النواب للحكومة.

والباحث في نهاية مقاله يذكر بالقاعدة التي تقرر بأنه في حالة وجود مقتضيين ولو في نص واحد، يفتحان منحيين متباينين، فإنه يتحتم ترجيح القاعدة التي تساير الروح العامة للتشريع؛ علاوة على أن المبدأ هو أنه أمام قاعدتين متساويتين في المنزلة، فإن الأرجحية تكون للمقتضى المتأخر، ما لم يتم استبعاده بشكل صريح.

وصفوة القول بشأن موقف الأستاذ محمد أمين بنعبد الله من القرار رقم 02-17 هو أنه يرى أن المحكمة قد جانبها الصواب وخانها التوفيق فيما قضت به من تحقق حالة التنافي المتولد عنه حتمية التصريح بشغور المقاعد. ذلك أن المحكمة الدستورية اعتمدت حسب رأيه على المادة 14 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، والحال أنه كان من المتعين تفعيل مقتضيات المادة 35 من القانون التنظيمي المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها؛ باعتبار أن ما ورد في المادة 35 نسخ وألغى ما كان منصوصا عليه في المادة 14.

وبخصوص بعض ما ورد في مقال الباحث، نرى أن الحكومة في حالة عدم حصولها على التنصيب من لدن مجلس النواب، فإن البرلمانيين الذين أصبحوا وزراء بحكم تعيينهم من طرف الملك، لا يعودون إلى ممارسة مهامهم كبرلمانيين. ذلك أن الحكومة التي لم تتمكن من الحصول على ثقة وتزكية مجلس النواب، وقت التصويت على البرنامج الحكومي؛ تبقى بجميع أعضائها مزاولة لمهامها في إطار حكومة تصريف الأعمال الجارية، ما لم يعمد الملك إلى التقليل من أعضائها. ويظل الأمر كذلك إلى أن يحل الإشكال، إما بتعيين حكومة جديدة على ضوء ما يقرره الدستور، أو اللجوء إلى حل مجلس النواب وإجراء انتخابات جديدة؛ وكل ذلك في نطاق ما يقرره كل من الفصل 47 و 88 و 96 و 97 من الدستور الحالي لسنة 2011؛ مما يدل على أن إمكانية عودة البرلمانيين الأعضاء في الحكومة إلى استرداد صفتهم التمثيلية، بعد إخفاق الحكومة في الحصول على التنصيب، هي مجرد فكرة لا أساس لها من الناحية القانونية ولا يوجد ما يؤيدها من الناحية الواقعية والفعلية.

والجدير بالإشارة إليه في سياق ما ورد في المقال، هو أن فكرة الحكومة المستكملة لجميع شروطها، والمالكة للحق في ممارسة جميع صلاحياتها واختصاصاتها الدستورية، لا ترجع إلى مقتضيات دستور 2011، وإنما هي ترتد إلى دستور 1992 الذي نص لأول مرة في الفصل 59 منه على أن البرنامج الحكومي يكون موضوع مناقشة ينتهي بإقراره أو رفضه تبعا لما هو منصوص عليه في الفصل 74 من ذات الوثيقة الدستورية.

وإذا كنا نساير ما انتهى إليه الأستاذ محمد أمين بنعبد الله، من كون القرار منتقد ومعيب، من ناحية عدم الإشارة إلى المادة 35 ضمن المرتكزات القانونية للقرار رقم 02-17؛ فهل المادة 35 في حد ذاتها تحظى بالشرعية، ومنتجة لآثارها من الناحية القانونية؟

بيان مدى استيفاء المادة 35 من القانون التنظيمي رقم 065-13، لجميع عناصر القاعدة القانونية، وصلاحية تفعيلها على حكومة سعد الدين العثماني المعينة بتاريخ 5 أبريل 2017، سيكون وفق التوضيح الذي نبسطه في الجزئية التالية.

وجهة نظرنا بخصوص حالة التنافي

القرار رقم 02-17 الموقع عليه من طرف أعضاء المحكمة الدستورية بتاريخ 12 أبريل 2017، يقضي بشكل صريح بشغور مقاعد النواب الأحد عشر، بسبب تعيينهم أعضاء في الحكومة التي يترأسها السيد سعد الدين العثماني؛ وهو في حيثياته يستند على المرتكزات القانونية التالية :

● الدستور، لاسيما الفصل 132 منه.

● القانون التنظيمي رقم 066-13 المتعلق بالمحكمة الدستورية.

● القانون التنظيمي رقم 27-11 المتعلق بمجلس النواب، الصادر الأمر بتنفيذه بتاريخ 14 أكتوبر 2011، كما وقع تغييره وتتميمه، لاسيما المادتين 14 و 90 منه.

● الظهير الشريف الصادر في 7 أبريل 2017 المتعلق بتعيين أعضاء الحكومة.

والذي يلاحظ على القرار من حيث فحواه ومنطوقه أنه تجاهل تماما المادة 35 من القانون التنظيمي رقم 065-13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها.

وقد سبق القول بأن الأستاذ محمد أمين بنعبد الله يعتبر أول من سبق إلى ثلب القرار، والكشف عن عواره، لارتكازه على المادة 14 من النظام الداخلي لمجلس النواب، بدل الاستناد والاعتماد على المادة 35 من القانون التنظيمي رقم 065-13.

وهذه المادة التي تم إغفالها والجهل بمحتوياتها، تنص على التالي :

«يتعين على عضو الحكومة، الذي يوجد في إحدى حالات التنافي المنصوص عليها في أحكام هذا الباب، تسوية وضعيته داخل أجل لا يتعدى ستين (60) يوما من تاريخ تنصيب مجلس النواب للحكومة أو من تاريخ تعيين عضو الحكومة المعني، حسب الحالة».

فلو تم إعمال هذه المادة، لتوجب على المحكمة أن تقضي كما يرى محمد أمين بنعبد الله بعدم شغور المقاعد، لعلة أن حالة التنافي غير متحققة، مادامت الحكومة لم تحصل على ثقة مجلس النواب. بالإضافة إلى أن المادة 14 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، أصبحت منسوخة بمقتضى المادة 35 سالفة الذكر، إعمالا للقاعدة التي تقرر أن القانون اللاحق يلغي القانون السابق، وذلك في حالة تباينهما من حيث ما يتضمنه كل قانون من مقتضيات وأحكام.

والتساؤل الذي يفرض نفسه هو، هل يوجد نسخ للقانون في المجال الذي نحن بصدده؟

للتعرف على جلية الأمر، والكشف عن وجه الصواب بخصوص فحوى القرار، وكذلك تبين صحة ما ذهب إليه منتقد القرار؛ نرى إجراء نوع من المقابلة بين المادتين 14 و35 السالفتي الذكر، بغاية التأكد على ما في المادتين من تغاير وتباين ومن كون إحداهما غير صالحة للتفعيل.

● المادة 35 الخطاب فيها موجه إلى عضو الحكومة؛ باعتبار أن القانون التنظيمي رقم 065-13 متعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها؛ في حين إن القانون التنظيمي رقم 27-11 يتعلق بمجلس النواب، حيث الأمر يخص رئيس مجلس النواب والمحكمة الدستورية بشأن النائب الذي يوجد في حالة التنافي وذلك على الوجه المنصوص عليه في المادة 14.

● لا يوجد في المادة 35 بيان للمعني بأمر الإحالة إلى المحكمة الدستورية؛ في حين إن المادة 14 تسند أمر الإحالة إلى رئيس مجلس النواب بمفرده.

● في نطاق المادة 35 لا وجود أصلا للأمد الذي يتوجب فيه إحالة الأمر إلى المحكمة الدستورية؛ بينما أجل الإحالة منصوص عليه بشكل واضح في نطاق النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2013، الذي تنص الفقرة الثالثة من المادة التاسعة منه، على أن الإحالة من طرف رئيس مجلس النواب تكون فورية، حينما يتعلق الأمر بتعيين نائب عضوا في الحكومة. وهذه الفقرة تتوافق مع ما هو منصوص عليه في المادة 14 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب.

● في إطار المادة 35 لا تتحقق حالة التنافي إلا بعد تنصيب الحكومة من طرف مجلس النواب؛ بينما حالة التنافي تتحقق في نطاق المادة 14 عقب تعيين أعضاء الحكومة من طرف الملك.

● تعلن المحكمة الدستورية في إطار المادة 14 عن شغور المقعد داخل أجل شهر؛ في حين تقتصر المادة 35 على مجرد إلزام عضو الحكومة بتسوية وضعيته داخل أجل يجب ألا يتعدى 60 يوما من تاريخ تنصيب مجلس النواب للحكومة.

● في نطاق المادة 14 لا وجود لأجل تسوية وضعية التنافي من طرف النائب الذي عين عضوا في الحكومة، وهو ما يتسق ويتطابق مع المادة 14 و 90 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب؛ في حين إن المادة 35 تحدد أجلا من أجل تسوية وضعية التنافي. والحال أنه بعد صدور قرار المحكمة الدستورية، المسطرة الواجبة الاتباع هي دعوة المرشح المعني بالشغور وفق ما هو منصوص عليه في المادة 90، من غير إمكانية التدخل من طرف المعني بحالة التنافي الذي يفقد مقعده بصفة نهائية، من غير اختيار أو تعقيب على ما قضت به المحكمة الدستورية؛ باعتبار أن قرار هذه الأخيرة لا يقبل أي طريق من طرق الطعن، ويلزم كل السلطات العامة وجميع الجهات الإدارية والقضائية (الفقرة الثانية من الفصل 134 من الدستور).

من كل ما سلف بيانه، يتضح أن المادة 35 من القانون التنظيمي رقم 065-13 المتعلق بالحكومة، والتي على أساسها قدح وعاب صاحب المقال على القرار رقم 02-17، بدعوى أن المادة 35 هي الواجبة التطبيق بدل المادة 14؛ بما يتولد عن ذلك من حكم مغاير لما قضت به المحكمة بشأن ما عرض عليها؛ هي في واقع الحال مادة من حيث فحواها ومنطوقها غير قابلة للتفعيل، جراء عدم استكمالها لعناصر وجودها من الناحية القانونية. حتى إن إقحامها في نطاق مواد القانون التنظيمي المتعلق بالحكومة، يبدو غريبا وشاذا، جراء انعدام الارتباط والتناسق والتطابق بينها وبين باقي المواد الأخرى؛ مما يكشف عن كون المادة 35 قد وضعت في ثنايا القانون التنظيمي، من غير انتباه إلى غرابتها وتنافرها مع باقي المواد التي يتضمنها القانون التنظيمي رقم 065-13 المتعلق بالحكومة. فالمادة 35 التي اعتمد عليها صاحب المقال هي مادة منقطعة الصلة بجميع مواد القانون التنظيمي المتعلق بالحكومة، ومتعارضة في ذات الوقت مع القانون التنظيمي الخاص بمجلس النواب، مما يجعلها في نهاية المطاف كالنغل الذي لا يُعرف له أصل ولا نسب. والغريب في الأمر أن صاحب المقال المنتقد للقرار رقم 02-17 الذي كان من بين أعضاء المجلس الدستوري، الذين وقعوا على القرار المتعلق بالقانون التنظيمي رقم 065-13؛ كان من المتعين عليه أن ينتبه إلى مثل هذا العطن والدخن في الميدان القانوني، ويقنع الأعضاء الآخرين بوجوب التحفظ بشأن المادة 35 والتصريح بعدم الدستورية مع إمكانية الفصل وجواز إصدار القانون التنظيمي رقم 065-13. ذلك أن القاضي الدستوري اليقظ، يفترض فيه أن يكون غير متهور، ولا يوقع على القرار دون التدقيق في المسائل المعروضة فيه، مما يتطلب منه أن يكون على دراية بالمقتضيات القانونية، والعلم والمعرفة بالقانون الواجب التفعيل على الواقعة التي يراد إصدار قرار بشأنها.

وصفوة القول، هو أن الموقعين على القرار 02-17 القاضي بشغور مقاعد الأحد عشر نائبا، المعينين في حكومة سعد الدين العثماني، كانوا على صواب؛ باعتبار أن المادة 14 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، هي المادة الواجبة التطبيق، وليس المادة 35 كما يرى الأستاذ صاحب المقال.

بيد أن المأخذ الوحيد الذي نؤاخذه على كبار قفهاء المحكمة الدستورية، هو أنهم وقعوا على القرار بالاعتماد على المادة 14 و 90 من غير أية إشارة أو بيان لموقفهم من المادة 35؛ مما يدل على التدليس والتضليل في صياغة القرار رقم 02-17. وهذا التدليس والتلبيس والاحتيال نجده جليا في القرار رقم 37-17 المتعلق بالنظام الداخلي لمجلس النواب الذي أقره هذا الأخير بتاريخ 8 غشت 2017.

فمن خلال تعقيب المحكمة الدستورية على الفقرة الرابعة من المادة 7 من النظام الداخلي، يتبين أن تعامل معد القرار رقم 37-17 يحيطه الكثير من التحايل والتورية بشأن التناقض بين ما ورد في الفقرة الرابعة وما تم التنصيص عليه في المادة 35 من القانون التنظيمي المتعلق بالحكومة؛ بالرغم من كون الفقرة الرابعة في حد ذاتها غير متسقة مع المادة 14 و 90 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب الذي قلنا بشأنه إنه هو الواجب التطبيق فيما يخص حالة التنافي، حينما يكون الأمر متعلقا بتعيين نائب عضوا في الحكومة؛ أما المادة 35 فقد سبق أن بينا بأنها مادة سقيمة غير منتجة لأثرها في مجال حل إشكالية التنافي. أما الموقعون على القرار 02-17 وكذلك القرار 37-17 فلا تثريب عليهم، لأن جلهم غير مستوفين للشروط المنصوص عليها في الفقرة الخامسة من الفصل 130 من الدستور.

وكخاتمة نهائية، نقول إن القرار 02-17 لا غبار عليه، باستثناء واقعة التهرب والتنصل من وجوب بيان وضعية المادة 35 التي اضطر أصحاب التوقيع إلى التدليس بشأنها وقت تصدي المقرر للتعقيب على الفقرة الرابعة من المادة 7 من النظام الداخلي لمجلس النواب الذي أقره هذا الأخير بتاريخ 8 غشت 2017.

ونرى تأسيسا على كل ما سلف، حسما لما يمكن أن ينشأ من خلاف، هو أن ظهير تعيين أعضاء الحكومة، هو الذي على أساسه يثار أمر التنافي من طرف رئيس مجلس النواب، وعلى أساسه يتم التصريح من لدن المحكمة الدستورية، بشغور المقعد البرلماني وتطبيق مسطرة التعويض؛ وكل ذلك في إطار مقتضيات المادة 14 و 90 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب. أما المادة 35، فيجب إعادة صياغتها ليستقيم وضعها؛ كما يمكن حذفها من القانون التنظيمي رقم 065-13 المتعلق بالحكومة، دون أن يترتب على ذلك أدنى أثر.

مجرد لفت نظر

في القرار رقم 03-17 المتعلق باستقالة السيد عبد الإله ابن كيران تم الإعلان عن شغور مقعده، مع التصريح بدعوة المرشح الذي يرد اسمه مباشرة في لائحة الترشيح المعنية بعد آخر منتخب في نفس اللائحة لشغل المقعد الشاغر، طبقا لمقتضيات المادة 90 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب. فهل يمكن لكبار قضاة المحكمة الدستورية، وهم من القفهاء الأجلاء في ميدان التأصيل الدستوري، أن يتفضلوا ويتكرموا ببيان موقع الاستقالة في إطار المادة 90 المتعلقة بالحالات الحصرية التي بتحقق إحداها يتوجب تطبيق مسطرة التعويض أو الحلول. فإذا تعذر الجواب، فيمكن العودة إلى البيان الوارد في مقالتنا المعنونة بالتالي : « أعضاء المجلس الدستوري وإشكالية استقالة السيد «ميلود الشعبي»، المنشورة في موقع «هسبريس» بتاريخ 6 مارس 2015».

ومادام الأمر يتعلق بلفت النظر، فلا ضير من تنبيه أئمة الفقه الدستوري، إلى وجوب عدم الاقتداء بما اقترفه أعضاء المجلس الدستوري، بخصوص جهلهم بالتغاير الموجود بين ما هو منصوص عليه في المقطع الأول من الفقرة الأولى من المادة 90 من القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، وبين ما ورد في البند الرابع من المادة 91 من ذات القانون التنظيمي. وبالمناسبة متى يجوز للجهة المختصة (المجلس الدستوري – المحكمة الدستورية) أن تأمر بتنظيم انتخابات جديدة على إثر إبطال انتخاب نائب أو عدة نواب؟ في هذا الإطار يمكن العودة إلى مقالنا المعنون بالتالي : «التدقيق في الضوابط القانونية المتعلقة بالانتخابات التشريعية» المنشور في جريدة «النهار المغربية»، عدد 159 و 160 لسنة 2004.

ونختم بالقول، هل وصل العبث والغبش في الرؤية التحليلية والتأصيلية، درجة التصريح في القرار رقم 37-17 بأن الفقرة الرابعة من المادة السابعة من النظام الداخلي لمجلس النواب، ليس فيها ما يخالف الدستور؟ وكيف يمكن مراعاة مقتضيات المادة 35 من القانون التنظيمي رقم 065-13 المتعلق بتنظيم وتسيير أشغال الحكومة والوضع القانوني لأعضائها؟ فهل الفقرة الرابعة فعلا ليس فيها ما يخالف الدستور؟ وهل المادة 35 سالفة الذكر، ليس فيها ما يستوجب إعادة صياغتها، بل الاستغناء عنها لعدم جدواها وانعدام الفائدة من وجودها أصلا، وذلك فيما يخص التنافي بين العضوية في الحكومة مع العضوية في أحد مجلسي البرلمان.

لا لوم ولا تثريب على من كان فدما وفسلا في مجال القضاء الدستوري؛ وألف معذرة لما هو منصوص عليه في الفقرة الأخيرة من الفصل 130 من الدستور؛ كأن الفقرة وضعت في صلب الوثيقة الدستورية، للتبرك بها، وليس من أجل العمل بها، والتقيد بمقتضياتها؟ !