رأي

صباح الحسيني: عن أي حقيقة نتكلم وهي تائهة وسط آليات الزيف والمكر والخداع ؟

ماذا سيتبقى لنا من الحقيقة والسمة الأساسية التي تميز الخطابات السائدة هو سيادة تقنيات المكر والخداع والتضليل، تقنيات أدمنها الكثيرون وأصبحت تكتسح مسامعنا ولا احد يستطيع أن يوقف طنينها لدرجة أنها أصبحت تتحكم في مصيرنا ووضعنا الحالي.

في ظل التقنيات الجديدة التي أضحت تهمش بعض الخطابات المسؤولة الهادفة ، أصبحنا نتيه في الفوضى والتردي الذي فرضته بعض الأبواق التي أصبحت تتحكم في الأمور وأصبحنا نتوسل اكتشاف الحقيقة ، لكننا ككل مرة نصطدم بخيبات الأمل وبخطابات تعتمد على التعتيم على بعض الوقائع بإلباسها لباسا على مقاس ما يراد لنا فهمه وتبعا لما يراد ترويجه ، والذي من المفترض يخدم جهات معينة ليبقى التستر على بعض الانزلاقات والفضائح صفة الخطابات ، ويبقى المكر والخداع علامة بارزة في حجب وتغيير معنى ما نريد معرفته ونتوق لانتقاده ، أو كشفه، أو تحليله بكل صدق.

ونحن نتحسر على بعض الخطابات ، نلقى التمويه والغموض والتزييف كهاجس يضعنا في لعبة الاختلاف معها ، ويضعنا في خانة الرفض لها ، وفي بعض الأحيان إلى مهاجمتها ، خصوصا إذا ما أدركنا أنها خطابات قد تحول الواقع الفعلي إلى واقع وهمي وما أكثر مثل هذه الخطابات في حياتنا اليومية ، إذا أخذنا مثلا الخطابات المرتبطة بإصلاح قطاع التعليم ، والتي تتبجح بتعميم وتسهيل التعليم على كافة الشرائح الاجتماعية وبمحاربة الهذر المدرسي ، فهل يمكن تصديق هذا الخطاب ونحن نعلم أن هناك عدد كبير من الشرائح الاجتماعية لن تسمح باستمرار تعلم أبنائها إذا لم تتوفر لديها الإمكانيات المادية لمجابهة الارتفاع المستمر لتكاليف التمدرس ؟ وماذا  عن الحالة الكارثية لبعض المدارس والحجرات الدراسية في العالم القروي؟  وماذا عن أوضاع المعلمين والتلاميذ والتجهيزات الطرقية والكهربائية في بعض المداشر النائية ؟ و ماذا عن مشكل حرمان تدريس الفتيات عند بعض الأسر المحافظة ؟ أليست مثل هذه المشاكل ضد ما تروج له هذه الخطابات ؟ أليست هذه الخطابات  تخفي حقائق حقيقية معاشة عن العلاقة بين التعليم وبين الأوضاع التي تعيشها بعض الفئات الاجتماعية  المرتبطة به ؟ فعن أي خطابات لتنمية قطاع التعليم يتحدثون وقد يتضح جليا مدى زيف الخطاب الذي يدعي إتاحة الحظوظ المتساوية بين الحاضرة والقرية  ، وبين الذكروالأنثى ، ويخفي ظاهرة التخلف التي لا تخدم التنمية عكس ما تدعي بعض الخطابات.

أما إذا أخدنا  الخطابات السياسية فقد تبقى شعارا ت فارغة تخفي التناقض بين برامجها وأدوات تحقيقها وتجعل المواطن مكبلا برهانات باردة وبصراعات حزبية حزينة تثير الأسى والشفقة ، إنها خطابات المكر والخداع أصحابها وجوه سياسية قد شاخت وهي تستمر في مسرحيات كلها مراوغة ، فصولها العجز والحملات المسعورة واختلاق الدسائس اللهم مشاريع عرت عن سوءات بعضهم وكشفت عن هوسهم بالسلطة لاعتبارات مصلحاتية يلفها الجشع القاتل ، لدرجة أنهم لم يفكروا  يوما في وضع أي إستراتيجية مستقبلية واضحة  بغض النظر عن الخطابات الزائفة التي  جردت معظم الأحزاب من هويتها ، وأوصلت ممارساتها إلى مستوى العبث السياسي وجعلت المواطن بكل تأكيد يتعامل باللامبالاة ، ولا يعترف بكينونتها.

فهل علينا أن نخفي التناقض بين خطابات حقيقية وأخرى مزيفة والتي هي سبب مأساتنا ؟ وهل علينا أن نبارك هذه الحطابات رغم أنها لم تحترم  احتياجاتنا ولم تساعدنا على العيش بحياة  أرقى وأسمى ؟