رأي

سعيد الكحل: حقوق الإنسان بين مكيالين

لم يعد من مسوغ للحكومات الغربية وكل المنظمات الحقوقية والهيئات الإنسانية أن تظل ترفع شعارات حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها كلما اقتربت مواعيد تجديد الاتفاقيات أو الشراكات الاقتصادية بين المغرب والاتحاد الأوروبي.

كان الاعتقاد السائد لدى من يجهل الخلفيات السياسية والأطماع الاقتصادية وميول الابتزاز والهيمنة أن مواقف تلك الحكومات والمنظمات مبدئية و"كونية"، كما هي مبادئ حقوق الإنسان في كونيتها وكلّيتها.

سقط القناع عن هذه الهيئات الرسمية وتلك المنظمات التي أثبتت مواقفها من استفتاء كتالونيا أنها لم تغادر يوما خندق الحكومات الغربية ولا وضعت مسافة بينهما تأمينا لاستقلالية الموقف وحيادية التقارير؛ فحين تعلق الأمر بالبيت الداخلي الأوروبي، اتخذت الحكومات والهيئات الحقوقية الموقف الداعم لحكومة إسبانيا في تصديها لمخطط استقلال كتالونيا، بعيدا عن لغة التنديد وبيانات الشجب والإدانة التي تعودناها كلما تعلق الأمر بموقف من مواقف المغرب إزاء نزعات الانفصال أو تدخل من أجهزته الأمنية لفرض احترام القانون حماية للممتلكات وأرواح المواطنين .

وسيظهر الانحياز التام لموقف الحكومة الإسبانية من مسألة الاستفتاء الذي قررت الحكومة المحلية في كتالونيا إجراءه من أجل استقلال الإقليم، بحيث أعربت المفوضية الأوروبية، على لسان النائب الأول لرئيسها فرانس تيمرمانز، عن دعمها للحكومة المركزية الإسبانية في نزاعها مع إقليم كتالونيا.

ولم تكتف المفوضية بالدعم السياسي، بل اعتبرت أن من واجب أي حكومة "التمسك بسيادة القانون"؛ حتى إذا تطلب ذلك في بعض الأحيان "استخدام القوة بشكل متناسب".

أكيد أن من حق وواجب أي حكومة حماية وحدتها الترابية والتصدي لمخططات الانفصال والتمزيق؛ إلا أن هذا الحق ينبغي أن يكون "كونيا" دون تمييز بين الدول والشعوب. وما تجيزه المفوضية الأوروبية لإسبانيا ينبغي أن تجيزه لغيرها من الدول، وفي مقدمتها المغرب؛ فالوحدة الترابية لأي دولة حق مشروع والدفاع عنها واجب دستوري لا تُستثنى منه أي حكومة أمام نزعات الانفصال. وما ينطبق على مواقف المفوضة الأوروبية وباقي الهيئات السياسية والحقوقية من مسألة تقرير المصير والانفصال عن الدولة الأم، ينطبق كذلك على هيئة الأمم المتحدة التي حافظت على موقفها الملتبس من الوحدة الترابية للمملكة المغربية، الأمر الذي أطال أمد النزاع وأشاعه أمام المتاجرين بالمواقف والمبتزين للمغرب. لم تكن هيئة الأمم المتحدة واضحة من الوحدة الترابية للمغرب كما هي واضحة من وحدة إسبانيا. فقد جاء التشديد على ضرورة الحفاظ ودعم وحدة أراضي إسبانيا على لسان بريندين فارما، المتحدث باسم رئيس الدورة الـ72 للجمعية العامة للأمم المتحدة، حين صرح بأن حق الشعوب في تقرير مصيرها هو حق أساسي، لكن هذا الحق ليس مطلقا بل تقيده شروط أهمها "أن يطبق هذا الحق دون مخالفة مبدأ وحدة أراضي البلاد، وعبر الاتفاق بين الأطراف المعنية".

لم تحشر الهيئات الحقوقية والحكومات الأوروبية والأمم المتحدة أنفها في "القضية الداخلية" لإسبانيا ، كما لم تتحمس تلك الهيئات لإرسال مراقبين أو مفتشين أو مبعوثين للتحقيق في أشكال وأساليب العنف التي مارسها جهاز الأمن الإسباني في حق المحتجين والمشاركين في الاستفتاء يوم الأحد فاتح أكتوبر الجاري؛ بل اكتفى المفوض السامي لحقوق الإنسان الأمير زيد بن رعد الحسين بتكرار الدعوة التي وجهها أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، إلى حكومة مدريد، بطلب إجراء تحقيق شامل ومستقل ونزيه في أعمال العنف التي مارستها قوات الأمن بحق مواطني كتالونيا. حين كان الأمر يتعلق بالمغرب، كانت بعثات صحافية وحقوقية وحزبية وحكومية من معظم الدول الأوروبية تتكالب على المغرب بحثا عن معطى أو دليل يدين "الممارسات القمعية" و"الخروقات السافرة" لحقوق الإنسان؛ بينما سكت كل دعاة حق "الشعب الصحراوي" في تقرير مصيره وخفت نعيقهم إزاء "شعب كتالونيا"، كما أغمضت عيونهم عن "الخروقات السافرة" لحقوق الإنسان الكتالوني .

على هذه الهيئات والحكومات أن تدرك أن حق الشعوب واحد، وأن حق الدول في الحفاظ والدفاع عن وحدتها الترابية حق "كوني" لا يتجزأ؛ لكن ما يمكن التحذير منه هو أن يعطي هذا الانحياز الأوروبي والحقوقي لفائدة إسبانيا، بالرغم من أشكال العنف التي طبعت التدخل الأمني ضد الكتالونيين، الضوء الأخضر لحكومة المغرب للتمادي في تعنيف المحتجين والمطالبين بالحق في العيش الكريم تحت مبرر مواجهة "الانفصال" والحق في حماية وحدة التراب المغربي. فالقضايا التي يحتج من أجلها المغاربة في منطقة الريف تتعلق بالعيش الكريم وتوفير الخدمات الصحية والاجتماعية وفتح فرص الشغل. وهذه المطالب هي من صميم مسؤوليات الحكومة والدولة.