تحليل

عقم مبادرات الأمم المتحدة يواجه سخونة رمال الصحراء

سمير بنيس

تعدّ الزيارة التي يقوم بها هورست كولر، المبعوث الشخصي الجديد للأمين العام إلى الصحراء، الأولى من نوعها بعد تعيينه في بداية شهر سبتمبر الماضي.

وينتظر المراقبون أن يقوم المبعوث الجديد ببعث روح جديدة في المفاوضات السياسية المتعثرة بين المغرب والبوليساريو، بعد مرور عشر سنوات لم يتم فيها تحقيق أي تقدم يُذكر؛ فبالنظر إلى جسامة المسؤولية الملقاة على عاتق المبعوث الجديد واتساع الهوة بين طرفي النزاع خلال السنوات الأخيرة، فمن المستبعد أن تأتي هذه الزيارة بأي جديد.

وما يمكن أن نتصوره هو أن يقوم كولر بالوقوف على مواقف كل طرف على حدة وإعطائهم فكرة عن المقاربة التي ينوي تبنيها لمعالجة القضية بغية مساعدتهما على وضع اللبنات الأولى للتوصل إلى حل سياسي لقضية الصحراء المغربية.

سياق دولي غير مسبوق

وتأتي زيارة المبعوث الأممي في سياق دولي غير مسبوق قد يدفع الأمم المتحدة إلى إعادة النظر في النهج الذي اعتمدته خلال السنوات العشر الماضية، والذي جعل النزاع يدخل إلى الباب المسدود. ويتميز هذا السياق الدولي بالاستفتاءين اللذين جرى تنظيمهما خلال الأسبوعين الماضيين في كل من إقليم كاتالونيا في الإسباني وإقليم كردستان في شمال العراق. ولعل التوتر الذي خلقه هذين الاستفتاءين في الدول المعنية وردة فعلها ورفض المجتمع الدولي الاعتراف بنتائجهما ودعم استقلال هذين الإقليمين يعتبر مؤشرا ونقطة تحول في العلاقات الدولية قد تدشن لحقبة جديدة تعطى فيها الأولوية للحفاظ على الوحدة الترابية للدول.

فإذا أخذنا بعين الاعتبار محتوى تقرير الأمين العام الصادر في شهر أبريل الماضي، والذي دعا فيه أطراف النزاع إلى تحديد معنى ونطاق مفهوم تقرير المصير وتفاعل المجتمع الدولي مع نتائج الاستفتاء في كل من كاتالونيا وكردستان، فإن السياق السياسي الدولي يلعب لصالح النهج الذي دعا إليه المغرب منذ أكثر من عشر سنوات، والمتمثل في التوصل إلى حل سياسي مبني على مقترح الحكم الذاتي، والذي يعتبر من بين الخيارات الواردة في القانون الدولي لإعمال حق تقرير المصير.

إن الأمم المتحدة على علم تام بأن المغرب لن يقبل بأي حل قد يؤدي إلى استقلال الصحراء. وبالتالي، فإن خيار الاستفتاء على النحو الذي تسعى إليه البوليساريو والجزائر لم يعد من بين الخيارات الممكنة للتوصل إلى حل سياسي ومتوافق عليه للنزاع.

ومن ثمّ، فعلى الأمم المتحدة التفاعل مع هذا السياق الدولي والموقف الثابت للمغرب والعمل على تبني نهج جديد يتماشى مع الواقع على الأرض والإقرار بأن مفهوم تقرير المصير الذي جرى اعتماده في ستينيات وسبعينات القرن الماضي لم يعد قابل التطبيق في السياق الدولي للقرن الواحد والعشرين.

كما عليها أن تستحضر أن القرارات المرجعية ذات الصلة بتقرير المصير قد صدرت في حقبة إنهاء استعمار الدول الأوروبية للعديد من مناطق العالم. وحتى الطريقة التي تمت من خلالها صياغة تلك القرارات تؤكد بأنها صيغت من أجل سياق دولي خاص تميز بوجود العديد من مناطق العالم تحت سيطرة الدول الاستعمارية الأوروبية، وأنه لا يمكن إسقاط تلك القرارات على كل النزاعات الترابية التي ظهرت بعد ذلك. ولعل خير دليل على ذلك هو استعمال عبارات من قبيل "العلاقة بين الدول المتروبولية" والمناطق الخارجية الخاضعة لسيادتها.

فعلى سبيل المثال، يشير المبدأ الرابع من القرار 1541 إلى أن العامل الرئيسي الذي يؤخذ في عين الاعتبار لتحديد ما إذا كان إقليم ما خاضع للسيطرة الاستعمارية هو أن يكون "منفصلاً جغرافياً عن البلد الذي يقوم بإدارته ومتميزاً عنه من الناحتين الإثنية أو الثقافية أيهما أو كليهما".

ويشير المبدأ الخامس من القرار نفسه أنه "يجوز متى تبث أن الأمر يتعلق، مبدئياً، بإقليم متميز جغرافيا واثنيا أو ثقافيا، إدخال بعض العوامل الأخرى في الاعتبار. وقد يكون من بين هذه العوامل الإضافية عوامل ذات طابع إداري أو سياسي أو قضائي او اقتصادي أو تاريخي.

وإن كانت تؤثر في العلاقات القائمة بين الدولة المتروبولية والإقليم المعني بحيث تضع هذا الإقليم، تحكماً، في وضع أو مركز التبعية، فإنها تؤيد قرينة وجود التزام بإرسال معلومات بموجب المادة الـ73 من الميثاق". إن استعمال عبارة "الدولة المتروبولية" لذات دلالة كبيرة، إذ تشير في اللغة المتعارف عليها دوليا إلى العلاقة بين الدول المستعمرة ومستعمراتها الموجودة في وراء البحار.

عزم المغرب الاستفادة من السياق الدولي الجديد

ويبدو أن المغرب عاقد العزم على الاستفادة من السياق الدولي الذي تمخض بعد استفتائي كاتالونيا وكردستان من أجل التأكيد أن السبيل الوحيد للتوصل إلى إنهاء النزاع هو إقبار خيار الاستفتاء والعمل على التوصل إلى حل سياسي على أساس مقترح الحكم الذاتي الذي اقترحه عام 2007.

وقد اتضحت نية المغرب بشكل أكبر في إقصاء الاستفتاء من الخيارات المطروحة على طاولة المفاوضات في البيان الذي ألقاه عمر هلال، سفير المغرب لدى الأمم المتحدة، أمام اللجنة الرابعة، يوم الأسبوع الماضي، والذي أكد فيه أنه لا مجال للحديث عن الاستفتاء كأحد الخيارات للتوصل إلى حل للنزاع القائم حول الصحراء وأنه قد جرى إقبار هذا الخيار منذ مدة طويلة.

كما دعا إلى حذف قضية الصحراء من أجندة اللجنة الرابعة للأمم المتحدة المعنية بتصفية الاستعمار، مؤكداً أنه قد جرى تصفية استعمار الصحراء عام 1975 حين قام المغرب باسترجاع سيادته على هذا الإقليم.

ولم يستعمل السفير كلاماً فضفاضاً في مداخلته، بل استدل بكل القرارات الأممية ذات الصلة بتقرير المصير، بما في ذلك القرارات 1514 و1541 و2625. وأبرز أن موقف المغرب وتأكيده على نهج خيار الحكم الذاتي يتماشى مع القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بتقرير المصير.

ولعل اللافت في خطاب السفير المغربي هو فضحه للخطاب الانتقائي لدعاة الانفصال، الذين يحرصون على استعمال القرار 1514 ويجعلونه المرجع الرئيسي للقانون الدولي المتعلق بتقرير المصير، علما أن القرار نفسه ذكر مبدأ تقرير مرة واحدة، بينما أكد في المادتين السادسة والسابعة على الوحدة الترابية للدول الأعضاء.

كما يتغاضى دعاة الانفصال عن القرار 1541 المؤرخ في 15 ديسمبر 1960 والقرار 2625 المؤرخ في 20 أكتوبر 1970. وينص القرارين على أنه يمكن ممارسة تقرير المصير عن طريق إنشاء دولة مستقلة أو الارتباط الحر بدولة مستقلة أو الاندماج في هذه الدولة أو أي وضع سياسي يتم تحديده بحرية".

كما ينص القرار 2625 بشكل واضح على أنه لا يجوز تأويل أي شيء مما ورد في الفقرات المتعلقة بتقرير المصير "على أنه يرخص بأي عمل أو يشجع على أي عمل من شأنه أن يمزق أو يخل جزئياً أو كلياً بالسلامة الإقليمية أو الوحدة السياسية للدول المستقلة ذات السيادة." كما يدعو القرار، الذي تعتبر مبادئه بمثابة المبادئ الأساسية للقانون الدولي، الدول الأعضاء إلى الامتناع عن "الإتيان بأي عمل يستهدف التقويض الجزئي أو الكلي للوحدة القومية والسلامة الإقليمية لأي دولة أخرى أو بلد آخر".

ولقد كان السفير المغربي صائباً حينما قال إن مبدأ تقرير المصير المقترن بالاستقلال الذي تسعى البوليساريو والجزائر إلى الحصول عليه لا ينطبق على الصحراء ما دامت هذه الأخيرة تعدّ امتداداً جغرافياً للمغرب وما في غياب أي فوارق اثنية أو دينية أو عرقية أو ثقافية أو لغوية بين المغرب وصحرائه.

وبالتالي، فإن الادعاءات التي تروج لها الجزائر والبوليساريو على أن المغرب يحرم الصحراويين من ممارسة حقهم في تقرير المصير لا يصمد أمام كل الحجج والوثائق القانونية التاريخية التي تثبت أن الصحراء كانت جزءاً من التراب المغربي حينما قامت إسبانيا باحتلالها. ولعل أهم حجة دامغة، في هذا الصدد، هي الاتفاق الذي وقّعه المغرب مع المملكة المتحدة في شهر مارس 1895، والتي اعترفت بموجبه هذه الأخيرة بأن الصحراء كانت خاضعة لسيادة المغرب.

كما أن سجلات الأمم المتحدة شاهدة على أنه فور حصوله على الاستقلال عام 1956، سارع المغرب إلى مطالبة إسبانيا بوضع حد لوجودها في الأراضي المغربية الخاضعة لسيطرتها، بما في ذلك طرفاية وسيدي إفني والصحراء. كما أن المغرب أثار هذه القضية لأول مرة في الأمم المتحدة عام 1957. ولعل الهدف الرئيسي للجهود التي قام بها المغرب، منذ أكثر من ستين سنة، هو استكمال وحدته الترابية التي قوّضها الاستعمار الإسباني.

لا شك في أن التطورات الأخيرة التي عرفتها الساحة الدولية لا تلعب لصالح دعاة الانفصال في الصحراء؛ فإذا رفض المجتمع الدولي استقلال منطقة مثل كاتالونيا يبلغ عدد سكانها 8 ملايين نسمة، وتعتبر من بين أغنى المناطق في أوروبا ولها جميع مقومات الدولة، فكيف يعقل أن يتم التأكيد على تمكين أقلية من الصحراويين لا تتجاوز 90 ألفا في أحسن الأحوال من إنشاء دولة في جنوب المغرب؟

فعلى الرغم من اختلاف الوضع القانوني للحالتين من منظور القانون الدولي، فإن ما وقع في إسبانيا يوفر للمغرب فرصة يمكنه البناء عليها للتأكيد أكثر من أي وقت مضى أن السبيل الشرط الوحيد الذي سيعيده إلى طاولة المفاوضات هو الإقرار بأن مبدأ تقرير المصير المقترن بالاستقلال الذي تدعو إليه البوليساريو والجزائر لم يعد جزء من الخيارات الممكنة للتوصل إلى حل للنزاع القائم. وبالتالي، فعلى الأمم المتحدة إعادة النظر في مفهوم تقرير المصير الذي تبنته منذ عدة عقود والضغط أكثر على الجزائر والبوليساريو من أجل تقديم تنازلات وإبراز نيتهما في التوصل لحل سياسي للنزاع.

بناءً على ذلك، فإن نجاح المساعي التي سيقوم بها المبعوث الشخصي للأمين العام في الصحراء رهين بنوعية النهج الذي سيقترحه على أطراف النزاع وبجرأته على تقديم اقتراحات واقعية تأخذ بعين الاعتبار موقف المغرب الواضح من النزاع ورفضه القاطع لأي مقترح يعتبر الاستفتاء من بين الحلول المتاحة للتوصل لحل سياسي والتطورات الأخيرة على الساحة الدولية.

كما أن نجاح مهمته رهين بمدى استعداد الدول المؤثرة في الأمم المتحدة الضغط على الجزائر والبوليساريو من أجل التفاوض حول حل واقعي يضمن حقوق ومصالح الصحراويين ويحافظ على سيادة المغرب ووحدته الترابية وعلى استقلال المنطقة ككل.

*مستشار دبلوماسي ورئيس تحرير Morocco World News