تحت المجهر

أحمد نور الدين: هل تقرع الجزائر طبول الحرب على المغرب؟

الاتهامات الموجهة إلى المغرب من طرف وزير خارجية النظام الجزائري بـ"تبييض أموال الحشيش"، و"نقل الخطوط المغربية لغير المسافرين على متنها.." اتهامات رسمية وخطيرة من رجل دولة، في مداخلة رسمية وعلى الملأ في منتدى اقتصادي جزائري؛ لذلك لا يمكن للخارجية المغربية إلاّ أن تستدعي السفير الجزائري بالرباط لتقديم الاستفسار، وتستدعي سفير المملكة للتشاور، وفي حالة عدم تقديم الجزائر لاعتذار رسمي فقد تتدهور العلاقات إلى سحب السفراء وربما قطع العلاقات.

فمنذ مايو الماضي يلاحَظ أنّ الدبلوماسية الجزائرية انتقلت إلى دبلوماسية البلطجة والاعتداءات الجسدية، على غرار ما جرى لدبلوماسي مغربي في سانت لوسي بمناسبة انعقاد اللجنة 24 المتفرعة عن اللجنة الرابعة في مايو 2017؛ بالإضافة إلى السّيل العَرِم من التصريحات العدائية كل أسبوع لِسَفيرَي الجزائر في بروكسل وأديس-أبيبا على سبيل المثال لا الحصر. ولا ننسى الاعتداء الجسدي الذي تعرض له وزير الخارجية المغربي في القمة اليابانية الإفريقية بالموزمبيق في غشت الماضي، على خلفية رفض اليابان مشاركة وفد الجبهة الانفصالية (البويساريو).

والجميع يعلم أنّ النظام الجزائري هو من يُحرك العرائس خلف الكواليس. وآخر العنقود هي المعركة حامية الوطيس التي تشنها الجزائر حالياً في الاتحاد الإفريقي لفرض مشاركة "جمهورية تندوف" في القمة الأوربية الإفريقية، والتي ستحتضنها كوت-ديفوار يومي 29 و30 نونبر 2017. هذا علماً أنّ 44 دولة إفريقية من أصل 54 دولة لا تعترف أو سحبت اعترافها بالكيان الوهمي في تندوف.

إذن هناك مؤشرات جديدة وخطيرة على العودة إلى نقطة الصفر في العلاقات المتوترة بين المغرب والجزائر، وهذا راجع بالأساس إلى الموقف العدائي للأخيرة، والساعي إلى هدم وحدة المملكة الترابية وتشجيع انفصال أقاليمها في الصحراء؛ وهو المشروع السياسي للجارة الشرقية منذ 40 سنة.

ويبدو أنّ النظام الجزائري، الذي يعاني من أزمة اقتصادية حادة جعلته يلجأ إلى طبع ما يعادل 20 مليار دولار لمواجهة عجز الميزانية، يريد تصدير أزمته نحو عدو خارجي متوهم. وحسب تصريحات الوزير الأول أويحيى منذ أقل من شهر فقد تعجز الخزينة الجزائرية، إذا لم تلجأ إلى طبع الأوراق المالية، حتى عن دفع أجور الموظفين الجزائريين. أمام هذا المشهد السوداوي للاقتصاد الجزائري يَشْهد الخبراء الاقتصاديون الجزائريون في عقر دار الجزائر، خلال منتدى لرؤساء المؤسسات الاقتصادية، بأن "المغرب مثال يُحتذى به في إفريقيا" لنجاحاته الاقتصادية! مفهوم إذن أنّ يفقد صوابه وزير خارجية الجزائر الذي كان حاضراً في المنتدى، ويَسْتشيط غضباً على خبرائه الاقتصاديين، لأنهم تجرؤوا ومدحوا البلد الذي قضى النظام الجزائري كل حياته بعد الاستقلال وهو يحاول إقناع الجزائريين بأنه عدوهم العقائدي، والخطر الماحق الذي يهدد بلادهم! إنها ردّة فعل عنيفة تعكس كل العُقد النفسية والأحقاد الدّفينة التي يُكنها دهاقنة النظام العسكري الجزائري على جارهم المغرب الذي آوى ثورتهم، وعاش فيه معظم قادتهم من الرئيس الحالي بوتفليقة إلى أول رئيس بعد الاستقلال بن بلة، ثم الرئيس الانقلابي هواري بومدين، "صانع "جمهورية تندوف".

ولكن المقلق في هذه التصريحات هو سياقها العام، فبالإضافة إلى دبلوماسية البلطجة والعنف اللفظي والجسدي التي أشرنا إليها سالفاً، هناك سباق حقيقي نحو التسلح فرضته السياسة العدائية للجزائر. فحسب معهد ستوكهولم للسلام تعدّ الجزائر خامس دولة تستورد السلاح في العالم، والأولى إفريقيا بحصة 46% من السلاح الذي تقتنيه الدول الإفريقية مجتمعة؛ وذلك خلال السنوات الخمس الماضية. وهذه الأرقام المهولة جعلت من ميزانية الجيش الجزائري تبتلع 25% أي الرّبع من الميزانية العامة لهذا البلد الذي يعاني من أزمة اقتصادية خانقة. وعوض توجيه مليارات الدولارات من عائدات النفط والغاز نحو التنمية والتشغيل والصحة والتعليم والصناعة والبنيات التحتية، اختار جنرالات الجزائر تعميق الأزمة الاقتصادية لبلدهم بشراء الأسلحة، وفي الوقت نفسه جرّ المنطقة نحو المجهول. كل هذه المؤشرات تنذر بالعاصفة، وبتطورات خطيرة قد تعصف بالسلام في هذه المنطقة الإستراتيجية من العالم، ما سيهدّد بشكل عام السلام الدولي، ويهدد بشكل خاص جنوب أوربا ومضيق جبل طارق الذي تمر عبره 40% من التجارة العالمية. وهي مسؤولية تتحملها الجزائر وحدها لأنها الطرفُ المُغذي للنزاع في الصحراء المغربية. أما المغرب فلسان حاله يقول: دفاعاً عن وحدة الوطن تهون التضحيات، ويُسترخص كل غال ونفيس.. فلا نامت أعين الجبناء.