رأي

لحسن الجيتّ:عبد القادر مساهل ودبلوماسية نظام مفلس

لحسن الجيتّ

يبدو أن المسمى بعبد القادر مساهل، وزير خارجية النظام الجزائري، ابتلي بارتجاج في الدماغ واهتزاز فكري فقد معه القدرة على التركيز والتمييز، وأضحى الرجل مدعاة للشفقة والرحمة بعدما آل الحال به إلى عدم إدراكه لما يقول ولما يصرح به في حق بلد يسمو بكل شموخ وكبرياء فوق تلك الافتراءات والأكاذيب.

ومن دون أن يرف له جفن، يدعي وزير خارجية النظام الجزائري أن استثمارات المغرب في إفريقيا لا تعدو أن تكون سوى تبييض عائداته من الحشيش عبر الأبناك المغربية التي تعمل في المجال الإفريقي. ويضيف الوزير القادر وحده عن كشف الأسرار و"سيد المطلعين والعارفين" أن الخطوط الملكية المغربية تنقل أشياء أخرى غير المسافرين وكأن أخاه إبليس أوحى له بأن الأسطول الجوي المغربي ينشط في مجالات لا تسمح بها أنظمة الطيران الدولي، فكشف عنها هذا المارد الجزائري ولم تكشف عنها المنظمة العالمية للطيران المدني التي لها مراقبون في مختلف أنحاء العالم؛ بل أبانت تصريحاته أن الرجل لا تفارقه عقدة المغرب. ومن شدة النار الملهبة لمشاعره وعقله، إن بقي له عقل، حاول أن يتجاهل بلدا اسمه المغرب في شمال إفريقيا، مدعيا أن الجزائر ليست المغرب؛ بل إنها بلد له مقومات وله ركائز. وأضاف في حماقة لا مثيل أن من أراد أن يستثمر عليه أن يعول على الجزائر وحدها، وأتى على ذكر كل من مصر وليبيا وتونس كبلدان لها من المشاكل ما لا يؤهلها للعب دور ريادي في شمال إفريقيا، مدعيا أن الجزائر وحدها التي لها القدرة على الريادة.

ل هذه االتصريحات تفيد بأن الرجل فقد صوابه؛ لكن ما الذي حمله على ذلك وفي أي سياق ورد هذا الكلام غير المسؤول لشخص يفترض فيه أن يكون مسؤولا ما دام أنه يوجد على رأس دبلوماسية نظام؟ تلك الافتراءات جاءت كردة فعل ناتجة عن الإحساس بالاختناق في محفل لرجال الأعمال الجزائريين الذين أثنوا على مسامع وزير خارجيتهم على الحضور القوي للمغرب وما يقوم به من دور ريادي في مجال الاستثمار على مستوى القارة الإفريقية. يبدو أن هذه الإشادة من قلب الجزائر لم تعجب السيد عبد القادر مساهل؛ لأنها شكلت في الوقت نفسه ضربة موجعة للنظام الجزائري، وأن المغرب الذي لا يصنف بدولة نفطية، كما هو حال الجزائر، استطاع أن يتغلب على هذا النظام المفلس بفضل ما يملكه من مادة رمادية قادرة على الابتكار وعلى إيجاد الحلول البديلة التي لا توفرها الثروة البترولية، لا سيما إذا اقترن ذلك مع عجز وفساد في إدارة أموال هائلة ومع الافتقار إلى حكامة جيدة كما هو عليه النظام الجزائري من سقم وترهل.

ومن جهة أخرى وفي سياق فهم تلك التصريحات اللامسؤولة، ينبغي إعادة ذلك إلى الحالة النفسية والتركيبة السيكولوجية لهذا الذي وضعوه على رأس الدبلوماسية الجزائرية. هذا الرجل لا يجد ضالته في السلطة السياسية إلا من بوابة التهجم على المغرب. مفتاحه للبقاء في سلطة الفساد هو أن يظهر عداءه المسعور تجاه بلد اسمه المغرب لكي تنطلي حيلته على الشعب الجزائري بأنه لا مجال للشك في وطنيته، وهو مجبر أخاك لا بطل ليتنكر إلى أصوله المغربية لا لشيء سوى من أجل المناصب والمكاسب. وعلى الشعب الجزائري أن يدرك حقيقة هؤلاء المتملقين والمتسلطين أن من لا خير له في وطنه الأصلي فلا خير يرجى منه في وطنه المكتسب.

وبالعودة إلى ما تضمنته تصريحاته، فإننا نجزم أنها أهون من بيت العنكبوت ويسهل علينا دحضها والكشف عن مغالطاتها لا لشيء سوى أنها لا تستقيم في الأصل على أساس. وسنقوم بتفكيك ذلك على النحو التالي:

1 ـ يدعي السيد مساهل أن الجزائر ليست المغرب، فهي بلد لها مقومات ولها مرتكزات والبلد الوحيد في شمال إفريقيا القادر على الاستثمار. ولكي يصدق المستمع هذا الكلام عليه أن يكون على درجة كبيرة من السذاجة ومن الجهل الذي لا بعده جهل. فكيف، إذن، للنظام الجزائري أن يتقمص دور الريادة وكيف لمسؤول جزائري أن يسمح لنفسه بالتحدث بهذا الخطاب أمام محفل اقتصادي والحال أن وزيره الأول بنيحيى أعلن من قبله أمام نواب الأمة عن إفلاس بلده وأن خزينة الدولة لا تتوفر على مال لدفع رواتب الموظفين في غضون الأشهر المقبة. فإذن، عن أي سبق في الاستثمار تتحدث، يا سيادة الوزير؟ "لو كان الخوخ يداوي لداوى راسو".

وكيف يمكن لدولة كالجزائر، وهي تديرها مافيا، أن تستثمر في إفريقيا في الوقت الذي تظهر عن عجزها تماما في إدارة شؤونها الداخلية؟ أين هي عائدات الجزائر من الثروة البترولية التي تناهز 1000 مليار دولار؛ وهو رقم لا يمكن الحلم به في أي بلد آخر؟ وكان على السيد الوزير، عوض أن يطلق لسانه البذيء على المغرب، أن يقول لرجال الاقتصاد وللشعب الجزائري أين ذهبت تلك الثروة الهائلة، بينما عموم الناس من الأشقاء الجزائريين تحت وطأة الفقر يئنون. وبلغة الأرقام التي غابت عن كلام شوارع السيد الوزير، هناك خمسة ملايين من الشعب االجزائري يعيشون تحت عتبة الفقر، ومثل هذا العدد أيضا مرشح ليكون تحت العتبة نفسها، ليصل بذلك الرقم إلى 10 ملايين يعيشون بأقل من دولار في اليوم في بلد يفترض أن تكون خزينته من أغنى خزائن الدنيا والآخرة.

2 ـ يقول السيد مساهل، وهو لا يفقه ما يقول، إن المغرب يقوم بتبييض أموال الحشيش في إفريقيا عن طريق البنوك المغربية الناشطة في القارة السمراء،ويستعمل أسطوله الجوي لخدمة أشياء أخرى غير ركابها من المسافرين. وقد بلغ به الهذيان ذروته بعد أن أعلن أن هذه المعلومات استقاها من قادة دول إفريقية. مرة أخرى، عليك أن تكون معتوها كي تصدق أو يجب أن تكون تحت تأثير المهلوسات التي يتم تهريبها من الجزائر إلى المغرب لتنطلي عليك حيل السيد مساهل. ولنسلم تجاوزا أن ما قيل قد يحتمل الصواب، أوليس من حقنا أن نتساءل أنه ما دامت هذه الأنشطة تعد في نظر القوانين الدولية غير شرعية، ألم يكن بمقدور قادة الدول الإفريقية أن يشتكوا إلى هيئات دولية، كل حسب اختصاصها، بدءا من المنظمة العالمية للصحة ومكتب الأمم المتحدة لمحاربة المخدرات والجريمة والانتربول في موضوع الحشيش، وكذلك رفع شكوى في موضوع تبييض الأموال إلى صندوق النقد الدولي، وأخرى إلى المنظمة العالمية للطيران المدني بخصوص الأنشطة غير القانونية للخطوط الملكية المغربية؟ وما دام كل ذلك لم يحصل، فلا شكايات تقدمت في الموضوع ولا المنظمات العالمية وقفت على حقيقة هذه الادعاءات، فكيف يسمح النظام الجزائري، بما يتملكه من غرور، أن يحول نفسه إلى سلطة دولية للرقابة تسمو فوق الجميع؟ إن مثل هذا الكلام يستخف بسيادة الدول الإفريقية ويعتبرها كأنها عاجزة عن ضبط مطاراتها ومعابرها الجوية. إنه بالفعل كلام لا ينبثق إلا عن مجانين، فهل الرجل فعلا بكامل قواه العقلية أم أنه يعاني من انفصام في الشخصية؟ نفهم أنه يريد أن يشوش على المغرب وحضوره اللافت في إفريقيا؛ لكن ليست بهذه الوسائل الرخيصة فهو قد يضر بمصالح الجزائر الشقيقة وبالتالي لا يستحق أن يكون هذا الشخص خير ما يمكن أن يسند إليه هذا المنصب. فالجزائر تنعم برجال خيرين، من طينة الأخضر الإبراهيمي، يزنون الكلام من ذهب بدلا من أشباه رجال ولا هم برجال يتقيؤون كلاما "زنقاويا" يحط من مكانة بلد راح من أجله الشرفاء الشهداء. ولو نهضوا من قبورهم لندموا عن استشهادهم بعد هذا الذي آل إليه مصير أبنائهم وأحفادهم من تهميش وإقصاء.

3 ـ أمام ردود الفعل التي رصدناها من داخل الجزائر وخارجها، نقول لك يا سيادة الوزير خيرا ما فعلت مصداقا للقول المتعارف عليه: "رب ضارة نافعة"؛ فجميع وسائط التواصل الاجتماعي في الجزائر الشقيقة أظهرت لنا كم أنك أنت معزول وكم أن ما تحمله من أفكار أصبحت جزءا من الماضي مع تنامي وجود شباب جزائري غير قادر على أن يسمع أسطوانتك المهترية التي تريد من خلالها أن تلهي أولئك الشباب عن مشاغلهم ومعاناتهم الداخلية بقضايا خارجية مفتعلة مع المغرب. تأكد أن أكاذيبك أصبحت في خبر كان. كل الوسائط الاجتماعية التي هي لسان حال الشعب الجزائري لفظتك ولفظت ادعاءاتك. الإعلام الجزائري أيضا المرئي والمكتوب لم يعد يقبل بذلك التأطير المغشوش من قبل النظام. لقد تابعنا حلقات إعلامية في الجزائر وخارجها جميعها بدون استثناء أشادت ولا تزال بالنهج المغربي المتبع في السياسة وفي الاقتصاد. ولعل هذا الأمر هو الذي فجر فيكم سيادة الوزير الكره والبغضاء تجاه المغرب. ولتعلم أن مملكتنا عصية عليك وعلى أمثالك، وهي أقوى من أن ينال منها كلام ساقط من مخلوق تافه وساقط.

4 ـ السلك الدبلوماسي الإفريقي المعنمد لدى المملكة الشريفة، "كحل بها عينيك" أعجبك اللقب أم لا، أعرب عن امتعاضه من تصريحاتك التي كانت لها ارتدادات عليك. واعتبر أن ما يدعيه ذلك الوزير عبارة عن تصريحات غير مسؤولة ولا علاقة لها بما نسب إلى بعض القادة الأفارقة. كما أشاد ذلك السلك الدبلوماسي بالتعاون المثمر والآخذ في الازدياد بين المغرب والعديد من الأقطار الإفريقية واعتبار ذلك نموذجا يجب أن يحتذى به في شراكة يقودها المغرب مع أشقائه الأفارقة، وهي شراكة تقوم على مبدإ "رابح ـ رابح".

وقد نسي السيد الوزير أو خانته الذاكرة وإلى عهد قريب كيف كان تعامل النظام الجزائري مع الأفارقة تعاملا يتنافى كليا مع آدمية الإنسان الإفريقي برميهم كالحيوانات خارج التراب الجزائري. وفي 13 أكتوبر الجاري، قامت السلطات الجزائرية بطرد ما يزيد عن 2000 إفريقي، من بينهم عدد كبير من الماليين، في ظروف لا إنسانية؛ وهو ما دفع محمد شريف حيدرة، رئيس المجلس الأعلى للجالية المالية في الخارج، إلى إصدار بيان استنكر فيه همجية السلطات الجزائرية تجاه النازحين الأفارقة. فهل هذا هو النموذج الذي يتحدث عنه السيد الوزير من التعاون والاستثمار ما لم يكن الإنسان هو محور ذلك التعاون؟ يبدو أن هذه النظرة إلى الإنسان كوسيلة وكهدف لا تدخل في عقيدة النظام الجزائري. فكيف يعقل أن تعنى هذه العقيدة، إذن، بالإفريقي والحال أنها تهين أصلا المواطن الجزائري وتنزع عنه كرامته في الشغل وفي التطبيب وهي المتطلبات الأولية في العيش الكريم؟

فليحتفظ النظام الجزائري بنموذجه ونظامه الاقتصادي والسياسي، وخيرا قد يفعل إن انشغل بترتيب بيته الداخلي. أما المجال الإفريقي لم يعد مجالا لشراء الذمم. لقد ازداد الوعي عند الإنسان الإفريقي وتنامت ثقافة حقوق الإنسان في قارتنا السمراء والنظام الجزائري في غفلة من أمره ما زال لم يستوعب تلك التحولات. فإلى متى؟ والسكين قد وصلت إلى العظم، أنا لم أقل ذلك بل قالها الوزير الأول الجزائري السيد بنيحيى، فما رأيك يا سيادة الوزير مساهل في الخلاصة التي انتهى إليها رئيسك؟