تحليل

الديمقراطية الجذرية: الفعل السياسي والهيمنة

د. محمد مفضل

غير أن الفعل السياسي يفترض عقد تحالفات مع باقي الفاعلين السياسيين، حتى مع الذين يختلفون معهم في التوجه الأيديولوجي. هذا ما حدث فعلا في اليونان، حيث تحالف حزب سيريزا الذي هو ائتلاف اليسار الراديكالي مع حزب من أقصى اليمين. الإشكالية نفسها تطرح في المغرب لكن بخلفيات ونتائج مختلفة كقبول التقدم والاشتراكية التحالف مع البيجيدي ورفض اليسار التحالف مع العدل والإحسان.

إن طبيعة الصراع تفرض التحالف من أجل مصلحة معينة مادامت الهيمنة الديمقراطية مؤسسة على تكافؤ جميع التصورات من حيث القيمة ومادام الحسم يتمثل في القدرة على تحريك أكبر عدد من الفاعلين والقدرة على تحديد معنى للحياة الجماعية. يجب أن تكون الديمقراطية تعددية لتكون جذرية. فشل الماركسية يبين أن توسيع مجال المساواة يؤدي إلى نفي الحرية إذا ما تم تطبيقها من جانب واحد في مواجهة تعدد الأمكنة والفاعلين والمشاريع السياسية. بتعبير آخر إن تفعيل الديمقراطية لن يتحقق إلا من خلال الفعل السياسي والاعتراف بتساوي الفاعلين والصراعات. التغيير من أجل الديمقراطية لن يتم إلا بالديمقراطية.

ليس الهدف تحقيق ثورة لأن ذلك يستوجب تركيز السلطة في نقطة معينة يتم منها إعادة تنظيم المجتمع، لكن التأكيد هنا هو على الطابع المستمر للتحول الجذري. إن تعدد الفضاءات السياسية ومنع تركيز السلطة في نقطة معينة هما شرطان لكل تحول ديمقراطي حقيقي للمجتمع.

إن تحقيق الهيمنة الديمقراطية هو هدف الصراع السياسي، لكن هذه الهيمنة ليست فقط فكرية بل تحتاج كما وضح ذلك لاكلو في كتابه حول الشعبوية إلى عنصر آخر وهو العاطفة. فالصراع من أجل الهيمنة لا يعتمد فقد على نشر معاني معينة ولكن كذلك على الترويج لقيم لها حمولات عاطفية [دينية أو وطنية أو اجتماعية]. من هذا المنطلق يعتبر لاكلو الشعبوية منطقا سياسيا ليس حكرا على توجه إيديولوجي أو قاعدة اجتماعية، وتشكل عاملا فاعلا في كل تغيير اجتماعي لأنها تفترض تكوين ذات سياسية عامة وفاعلة وهي الشعب. تصبح السياسة مرادفة للشعبوية لأن بناء الشعب هو الفعل السياسي بامتياز. الشعب كالهيمنة آلية محايدة في خدمة الإيديولوجيات المختلفة، يسارية ، يمينية أو إسلامية.

الشعبوية هي منطق سياسي وليست المنطق السياسي ولا يمكنها أن تحدد مستقبل الديمقراطية الجذرية. تفترض الديمقراطية الجذرية وجود ثلاث صيغ منطقية في العملية السياسية: الليبرالية [الفعل السياسي المستقل]، الشعبوية [الاستثمار العاطفي للمعاني والقيم] والتعددية [التكافؤ]. ممارسة منطق دون آخر سيعيق الديمقراطية الجذرية التي هي كل معقد وممارستها تستوجب وعيا بالظرفية التاريخية والقدرة على الصراع والهيمنة بتقديم بديل عن المشروع المجتمعي السائد وتحريك الشعب كفاعل تاريخي والاعتراف بحق الآخر في الصراع والتنافس على السلطة.

خلاصة القول إذا كان المجتمع المغربي يسعى فعلا لتحقيق انتقال ديمقراطي، فمن الأجدر به أن يتبنى مفهوما جذريا للديمقراطية لأن الديمقراطية بهذا المعنى تتحقق بالفعل الديمقراطي والصراع والتعدد والهيمنة، وليس بالخطابات الجوفاء حول الديمقراطية. الديمقراطية هي ممارسة واعتراف بالآخر وبالتاريخ وبالصراع. من لا يقدر على فعل ذلك، سواء من اليسار واليمين، فلا يحق له التكلم عن الديمقراطية لأنها تتجاوزه من حيث التفكير ولا تناسبه من حيث الواقع والممارسة.