قضايا

أحاديث نهاية العالم

محمد أكديد

ما دمنا نتكلم عن التفكير الخرافي الأسطوري الذي يخترق التفكير الديني ويتحكم في عقلية الكثير من المتدينين، فلا بد من التعريج على بعض الأمثلة التي يأخذها العوام كما الكثير من العلماء مأخذ المسلمات دون تحقيق وتمحيص.

ومن ذلك تلك الأحاديث والروايات التي تتحدث عن نهاية العالم حتى أن عددا من الفقهاء قديما كنعيم بن حماد المروزي، أو حديثا كعدد من شيوخ السلفية مثل نبيل العوضي ومحمد حسان قد صنفوا فيها المصنفات والكتب1، وهم يجتهدون اليوم في تقديم ما يحدث على الساحة الدولية من حروب و فتن بين المسلمين خاصة في بلاد الشام والرافدين بتأويل عدد من مثل هاته الروايات الغريبة حول أحداث وعلامات قيام الساعة مما ورد عن خروج المهدي، ونزول عيسى، وخروج الدجال، وعودة يأجوج ومأجوج، وخروج الدابة، وطلوع الشمس من المغرب!! و غيرها مما لم يرد فيها شيء في القرآن الكريم إلا ما تأوله بعض المفسرين من جهة، كما شكك الكثير من المحققين في علم الحديث بصحتها من جهة أخرى.

وقد كانت مثل هذه الأحاديث من بين الأسباب التي دفعت الكثير من الشباب المسلم من مختلف أصقاع العالم للالتحاق بجبهات القتال في بلاد الشام والرافدين ظنا منهم أو وحيا من شيوخ الفتنة الطائفية بأن الله قد اختارهم تمهيدا لتحقيق الوعود التي جاءت بها هذه الروايات، ونصرة لدولة الإسلام الذي سيسود الأرض بعد دحر جيوش الضلال والكفر وفق تلك الملاحم التي يصدق معظم هؤلاء المضلل بهم بحدوثها وكأنها فعلا نبوءات للرسول (ص) في الوقت الذي تسقط أغلب هذه الروايات والقصص الخيالية أمام التحقيق الرصين.

وإذا اتفق علماء الحديث على صحة بعض الأحاديث كخروج الإمام المهدي في آخر الزمان، فإن هناك الكثير من التفاصيل التي زيدت من طرف القصاصين ذووا الخيال الواسع حول كيفية الخروج وما رافق ذلك من أحداث عجيبة تصلح لأن تكون أعمالا سينمائية من صنف الخيال العلمي.

ومن أمثلة تلك الأحاديث التي تستفز العقل السليم ما روي عن المسيح الدجال من علامات وأحداث تستعصي على الفهم والتصديق. فقد أخرج الإمام أحمد، عن الحسن، عن سمرة بن جندب أن النبي (ص) كان يقول: إن الدجال خارج وهو أعور عين الشمال، عليها ضفرة غليظة، وإنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى، ويقول للناس: أنا ربكم، فمن قال: أنت ربي فقد فتن، ومن قال: ربي الله حتى يموت فقد عصم من فتنته ولا فتنة بعده عليه ولا عذاب، فليلبث في الأرض ما شاء الله، ثم يجيء عيسى ابن مريم (ع) من قبل المغرب مصدقا بمحمد (ص) وعلى ملته فيقتل الدجال، ثم إنما هو قيام الساعة2.

وفي رواية أخرى،عن جنادة عن أبي أمية، عن عبادة بن الصامت، أنه قال: إن رسول الله (ص) قال: إني أحدثكم عن الدجال، حتى خشيت أن لا تعقلوا، وإن مسيح الدجال رجل قصير أفحج، جعد، أعور، مطموس العين، ليست بناتئة ولا حجراء، فإن ألبس عليكم فاعلموا أن ربكم ليس بأعور3.

ومما يلاحظ فإن الحديثين يدعمان أطروحة المشبهة الذين تأثروا بالإسرائيليات التي تقع في التشبيه والتجسيم. حيث ينسب أصحاب هذا الطرح لله (تعالى عن ذلك علوا كبيرا) الأعضاء والجوارح ويتخيلونه كإنسان. يروي أبو هريرة: عن النبي (ص) قال: إذا قاتل أحدكم أخاه فليتجنب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته4!!

كما ينسب الحديث الأول عن الدجال بعض معجزات النبي عيسى (ع) الذي كان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، حيث يبدو الأمر وكأن الله تعالى يلهو ويستمتع بفتنة الخلق، مع أنه تعالى قد أيد رسله وأنبيائه بالمعجزات لتأكيد دعواهم وصدق رسالتهم من أجل هداية البشرية إلى الحق لا من أجل إضلالهم.

وقد ذكر البخاري مثل هاته الروايات في باب ما روي عن بني إسرائيل. كالحديث المروي عن عقبة بن عمر، عن حذيفة، أنه سأله وقال: ألا تحدثنا ما سمعت من رسول الله (ص) قال: إني سمعته يقول: إن الدجال إذا خرج ماء ونارا، فأما الذي يرى الناس أنا النار فماء بارد، وأما الذي يرى الناس أنه ماء بارد، فنار تحرق، فمن أدرك منكم فليقع في الذي يرى أنها نار، فإنها عذب بارد5.

بدون تعليق!!

ومن ذلك ما روي من حديث الجساسة الذي حكاه تميم الداري وقد كان نصرانيا، وهو حديث طويل رواه مسلم في صحيحه6 يحكي فيه تميم عن قصة ركوبه في سفينة بحرية مع ثلاثين رجلا من لخم وجذام. حيث لعب بهم الموج شهرا في البحر ليرفأ بهم إلى جزيرة في البحر، حيث وجدوا دابة عجيبة كثيرة الشعر لا يدرون قبلها من دبرها من كثرة الشعر. ولما سألوها قائلين: ويلك! ما أنت؟ ردت عليهم بلغة عربية فصيحة: أنا الجساسة!!

ويستميت فقهاء وشيوخ السلفية في الدفاع عن هذه الرواية الغريبة وإثبات صحتها، محتجين بما ذهب إليه من سبقهم من مفسري القرآن بالمأثور7، والذين أدمن معظمهم على نقل الإسرائيليات سواء من باب الإستئناس بها أو كراهة الظهور بمظهر العاجز عن تفسير بعض الآيات التي أشكلت عليهم.

والقصة برمتها تبدو من نسج الخيال، خاصة وأن النبي (ص) يظهر في هذا الحديث وكأنه يستنجد بتميم الداري لكي يصدق الناس ما رواه لهم حول الدجال! مع أن تميم هو الأحوج إلى تأييد النبي (ص) لكي يصدقه الناس. كما أنه تم وبفضل الأقمار الصناعية اليوم مسح الأرض مسحا دقيقا، ولم يعثر على تلك الجزيرة التي تحدث عنها تميم الداري! مثلها مثل السد الذي بناه ذو القرنين على يأجوج ومأجوج، حيث يروي بعضهم بأن هاته المخلوقات سوف تنقب السد في نهاية الزمان لتعيث في الأرض فسادا قبل أن يهزم جمعهم على يد عيسى (ع) بعد نزوله ومن تبعه من المومنين!!

وهكذا فقد يصادف المسلم الكثير من مثل هاته الأحاديث العجيبة التي تحكي عن ملاحم وفتن نهاية العالم وقيام الساعة في كتب التراث، والتي يتقاطع معظمها وما ورد عند المسيحيين واليهود بل والكثير من الأمم السابقة من أخبار وحوادث آخر الزمان، مما يشكل على العقل فهمه واستيعابه أمام الجرعات الزائدة من الخيال والتي لا يمكن نسبتها إلى النبي (ص)، في حين يمكن ردها إلى الوعاظ والقصاصين الذين كانوا يتخذون هذا الموضوع حرفة للاسترزاق، وقد تصدى لهم ابن الجوزي في كتابه "الموضوعات" وأثبت فساد مذهبهم بعد أن مر بنفس التجربة. وما زال هذا الموضوع اليوم محط جدل كبير بين أنصار النقل الذين يدافعون عن هاته الروايات باستماتة وكأنها من أمهات العقائد في الدين، وأنصار العقل الذين يرفضونها لإغراقها في الخيال واستهتارها بقواعد العقل والسنن الكونية من جهة ومناقضتها لما جاء في محكم القرآن وصحيح السنة من جهة أخرى.

المراجع:

1- أنظر كتاب الفتن لنعيم بن حماد وكتاب نهاية العالم لمحمد حسان.

2- مسند أحمد: 5/13.

3- سنن أبي داود: 4/144 برقم 4417.

4- صحيح مسلم 4: 2017 كتاب البر والصلة والأدب باب 32 باب النهي عن ضرب الوجه ح 115. ومضمون هذا الحديث كما أورده الفقيد السيد شرف الدين الموسوي في كتابه “أبو هريرة” ص 55 هو عين الفقرة 27 من الإصحاح الأول من إصحاحات سفر التكوين من كتاب اليهود-العهد القديم- حيث يقول: فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه ذكرا وأنثى خلقهم.

5- صحيح البخاري: 4/169، باب ما ذكر عن بني إسرائيل و 9/60 باب ذكر الدجال.

6- صحيح مسلم: 8/203-205، باب خروج الدجال ومكثه في الأرض من كتاب الفتن وأشراط الساعة.

7 -يفسرون بها قوله تعالى:"وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآَيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ" سورة النمل-الآية 82.

*باحث في اختلاف المذاهب الإسلامية