رأي

مصطفى غلمان: دلالتان في جامعة التيهان: الشبهة أخت الحرام!

هل فعلا ارتبط الفساد الثقافي براديكالية الأيديولوجيات الشمولية وتغول التيارات الفكرية اليسارية والدينية؟

يمكن تحوير السؤال إلى بدهية ثنائية السلطة والثقافة واندغارهما في مأثور الهوية الثقافية الوطنية، حيث التعالي وشخصنة المواقف واعتلال التحيزات واجترار التفكير ومحدودية الرؤية.

لا يمكن للفساد أن يتسع ويغلغل دون سابق معرفة بالمآلات والاختيارات الموائمة لتفشيه واستبداده. لهذا يجد أحيانا من يحمله على الأكتاف ويطوف به، وهو يراوح مكانه، بين إخفاء طابعه وتمويهه وانتقاله من حال إلى حال.

وآخر من يمكن الشك في ذممهم هم المثقفون، أو الحاملون مشعل الثقافة بالأحرى.

من يشك في تاريخ من ناضلوا وقاوموا الاستبداد والظلم والقهر الاجتماعي؟ أليسوا دعاة الخير والعدل والسلام والمساواة؟

يحسن بالناس، خصوصا إذا كانوا من أدعياء العلم ودهاقنته أن يكونوا قوامين فضلاء ديمقراطيين، لا ينازعون الحق ولا يجتزئونه.

فإذا ارتد عليهم الهوى ونبذهم فريق من الذين ازدحموا أمام عروشهم، رأيت ما وراء أنوفهم من الهمز واللمز، وسيقوا إلى سواء السبيل. ثم انتدبوا من يقوم مقامهم في الرد وتغيير الوقائع ولي أعناق الحقيقة.

يستحيل على الإنسان أن يبتر جانبا من التاريخ، فكتبته لا يرف لهم جفن وهم ينافحون عن استمرارية الدم دفاقا ومتحركا بين زواياه. وهم إن حجبوا بعضا من ذاكرته سرعان ما ينتفض ويعود من جديد أكثر قوة مما كان عليه.

وخليق بالذين يختبئون خلف متاريس الغش والتزوير والتدليس وأكل مال الغير أن ينتبهوا للخسارات التي تطالهم إن عاجلا أو آجلا.

وقد يتيه العقل بهؤلاء، فلا يجدون موئلا لغواياتهم وكمائن الزمان عليهم، فيلجؤون للتخريب والعنف والشطط والانتقام، فلا يعوضهم هذا التدافع المشين غير التورط والغرق وتعتيم الرؤية، فيرتدون وهم يلعبون آخر الأوراق ونهاية الأخلاق.

الوتر الحساس الذي تتناغم معه اليوم نموذجية الاقتدار الخشبي والادعاء القيمي الأجوف أصناف من الكائنات ترى في وجودها حتمية إنسانية وعلمية لا يمكن مقاربتها بأي شكل من الأشكال، عصية على المواجهة والحسم، ذات سلطة متعالية وقدرة جبارة على الحرب والدسيسة.

وتجد هذه العينات الدراماتيكية في واجهة الجامعات والكليات ومعاهد التكوين ومراكز الأبحاث والدراسات. ومع الأسف الشديد تتمدد كالفطريات، وتصبح ظاهرة متجذرة في الحياة اليومية للأشخاص والجماعات.

لم يعد لدلالة الآية القرآنية الكريمة: "وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ. وَإِن يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ. كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ. يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ" (لم يعد لها) وقع في مفهومية هذا التشاكل الواقع بين التعميم والتخصيص، بين حصارهم بلبوس الانحراف، وهو ما يجسد واقعا حاصلا بقوة الفعل، وأسرهم بوهم الزعامة والريادة، وهو ما يدحض نظرة المجتمع لهم، باعتبار الأقنعة التي يلبسونها، ولكنها لا تخفي سوى الجزء الظاهر من غباوتهم.

ألم يكن من الإنصاف تنبيه الغافلين بوجوب التشكيك في انحدار وتآكل من نعتبرهم قدوة وملاذا ورموزا نستمد منها قوة العقل وبصيرة النقل ومنبذ المآل؟

حدث جلل ذلك الذي نزل كالصاعقة في ليل الإفك والعوار، عندما هم رجل بألف، ينشر تقريرا محيقا حريقا في كل ديار جامعة القاضي عياض بمراكش.

فقد توصلت مؤخرا، شأني شأن باقي الإعلاميين والمهتمين بحقوق الإنسان وحماية المال العام، بتقرير من المركز الوطني لحقوق الإنسان يفضح فيه وقائع وأحداث من جامعة القاضي عياض وكلياتها ووحداتها العلمية، أبطالها إدارات وموظفون وأساتذة وباحثون، وهلم جرا.

يضع التقرير بين يدي القارئ مجموعة من تفاصيل عمليات للتزوير والفساد ونهب المال العام، وقضايا مليئة بصراعات حول سلط وهمية ونخاسة جنسية ووساطات وريع واستعارات فضائحية، لا تنتهي قصصها وحكاياتها إلا بطرح العديد من أسئلة الراهن الجامعي، في بؤر تتوتر وتتأثر وتتناثر مواقدها، بالإشعال الغرائزي الشهواني والكبت النفساني والبذاءات الاجتماعية التي تصل أحيانا إلى حضيض الحضيض؟؟؟!!!

أسئلة المركز الوطني لحقوق الإنسان تتراكم وتتواتر في اصطدام وتصادم مثيرين. فمن سؤال الفساد الإداري الذي ينيخ عن قصدية التمكين للزعماء الذين أسرفوا صفات العود وغلواء الانحراف إلى سؤال التخفي خلف أكمات الضعف وقلة التجربة والكفاءة، ثم العنجهية الوصولية والتزلف والإمعان في تلبيس الأخطاء والسقطات المعيبة.

وفي حدود وتداعيات هذه الكماشات الغاصبة لتاريخ المؤسسة الجامعية وقيمتها الحضارية، يتنامى القطيع البائد مرددا خلف كل منعرجات التعتيم على سيرورة المؤسسة إياها، مواطئ لأقدام تتعالى على الرسالة المنوطة بالجامعة، وبدورها الريادي الطلائعي في البحث العلمي وتكوين الأطر الجامعية وتحفيز الشباب على التميز البحثي والتبصر البيداغوجي والقابلية القرائية المستنيرة.

ولم يكن التقرير الصادم الذي حرره المركز الوطني لحقوق الإنسان، تحت مسمى إماطة اللثام، عما هو مطلوب النظر في معلومات مبنية على وثائق ومعطيات خطيرة، يتهم فيها المركز الحقوقي أشخاصا مذكورين بالأسماء يتحملون المسؤولية الإدارية، وآخرين يترأسون شعبا علمية ومشرفين على أسلاك علمية عليا ومشاريع وأموال...إلخ. لم يكن هذا التقرير سوى القطرة التي أفاضت الكأس، وأفرغت الوعاء مما أضحى حديث كل المراكشيين، ونافذة للتفكه والتندر وإرواء عطش الفضول والميل الزائد نحو التطفل ولفت الانتباه.

وما قضايا إهانة العميد السابق لكلية الآداب والعلوم الإنسانية، الدكتور عبد الجليل هنوش، بخافية على أحد، وتهديد ووعيد العديد من الأساتذة المشهود لهم بالكفاءة والسعة والحلم والإيثار، ورفض التحاق عالم الترجميات الدكتور عبد الرحيم حزل دون أسباب واضحة، وانحدار مستوى الأداء العلمي للعديد من كليات الجامعة بسبب تدني مستوى المشرفين أو الغياب الفاشي للأشباح المقامرين بمستقبل وحاضر الطالبات والطلبة، كل ذلك يطرح أزمة تدبير ورؤية لجامعة كانت تعتبر إلى عهد قريب من ضمن أولى جامعات إفريقيا والعالم العربي، على مستويات التحصيل العلمي والبحث الأكاديمي والإنتاج في التصنيفات الأكاديمية والعلمية والأداء البيداغوجي.

إن تقرير المركز الوطني لحقوق الإنسان يلائم سلطة اعتبار الراهن الموسوم بأسئلة المأزق الإداري للجامعة بالآثار الناتجة عن تضعضع بنية التواصل مع مؤسسة ينخرها الفساد من الداخل، بتعبير تقرير المركز الحقوقي إياه.

وإن النيات المبيتة بمحاولات ردم هذا التقرير وتفريغه من أسئلته الحارقة، وتقويض مطالبه الرافضة لكل ما من شأنه الطعن في مصداقيته وصدقيته، وتحويل رئيسه إلى شماعة للإفساد تعلق عليها مناطات التبديل وإطالة الزمن وتشويه الخصوم المفترضين، لن يمنع استمرار وامتداد شرارات الغضب ومرائي للضحايا ومهضومي الحقوق، حتى تتكرس نظرية الزلزال السياسي والإداري التي دعا إلى تجسيرها عاهل البلاد، واختار لأشواطها القادمة لا محالة أن تكون دلالة للإرادة الوطنية على تجاوز مرحلة التكلس وفرملة التنمية وتقويض الفعالية.