رأي

سعيد الكحل: الزلزال السياسي ينبغي أن يصل مداه

كان لقرار الملك إعفاء مسؤولين حكوميين وإداريين على خلفية إخلالهم بمسؤولياتهم الوطنية الذي أفقدهم ثقة الشعب والملك معا، الأثر الطيب في نفوس عموم المواطنين الذين تملّكهم اليأس من محاسبة المسؤولين وكل الفاسدين طيلة عقود. وتعدّ هذه المرة الأولى في تاريخ مغرب الاستقلال التي يتم فيها إعفاء 14 مسؤولا حكوميا وإداريا دفعة واحدة، بسبب ضعف الأداء أو الإخلال بالمسؤولية.

عادة كان المسؤولون فوق القانون ولا تمسهم المساطر الإدارية. وحتى يكون لقرار الملك امتداداته في الزمان والمكان وأثره في مواجهة دوافع اليأس من التغيير لدى المواطنين، وفي الوقت نفسه تحفيز الشباب على المشاركة السياسة عبر إقناعهم بجدوى المشاركة في الانتخابات والتنافس على إدارة الشأن العام، فإن الأمر يلزم بأن يشمل "الزلزال" بنيات الدولة السياسية والإدارية والقضائية والاقتصادية حتى يتم القطع مع سياسة اللاعقاب وتكريس، في المقابل، مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. وأولى المقومات التي تعطي لقرار الملك هذا بعده السياسي والاجتماعي على المدى القريب والمتوسط:

1 ــ إطلاق سراح كافة نشطاء الريف المعتقلين بعد أن أثبت تقرير المجلس الأعلى للحسابات تعثر/توقف 555 مشروعا من أصل 600، وكذا نشطاء زاكورة؛ إذ إلى هؤلاء جميعا يعود الفضل في تنزيل الفصل 1 من الدستور الذي يربط المسؤولية بالمحاسبة بعد مرور 6 سنوات على تعديله، وكذا الفصل 154 الذي يُخضع "المرافق العمومية لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية". ومادام قرار الإعفاء جاء نتيجة لإخلال المسؤولين بمهامهم، فإن المحتجين ضد الفساد والكاشفين عنه أحق بأن يشملهم العفو، إن لم يكن من باب الإنصاف لهم فعلى الأقل من باب الاستجابة للملتمسات التي تقدمت بها هيئات مدنية وحقوقية وسياسية.

2 ــ محاسبة الهيئات السياسية على أداء أعضائها داخل الحكومة؛ ذلك أن الوزير ليس موظفا يمكن إخضاعه لقانون الوظيفة العمومية، بل هو ممثل لهيئته السياسية التي يطبق برنامجها، ومن ثم فهي مسؤولة عن تأطيره وتوجيهه ومرافقته. ومن شأن الربط بين المسؤول والهيئة الحزبية أن يفرض على الأخيرة تشكيل لجان ووضع البرامج وتتبع تطبيقها في حالة مشاركتها في الحكومة. وأي محاسبة للأحزاب ستفرض عليها اختيار الكفاءات المناسبة للمناصب الوزارية أو الإدارية والقطع مع منطق الزبونية والريع السياسي.

3 ــ تحميل رئيس الحكومة المسؤولية الأولى عن تعثر إنجاز المشاريع أو التقصير في أداء المهام باعتباره المنسق بين الوزراء والمسؤول المباشر عن اختيارهم، فضلا عن صلاحياته الدستورية التي تسمح له بتقديم طلب إلى الملك يعفي بموجبه الوزير أو الوزراء المقصرين وفق الفصل 47 من الدستور. وكل فشل في أي قطاع حكومي لم يتداركه رئيس الحكومة أو تغاضى عنه تحت ضغط أي حزب، فإن المسؤولية يتحملها رئيس الحكومة الذي أخلّ بواجبه الوطني والدستوري وجعل الحزب فوق مصلحة الشعب والوطن.

4 ــ إخضاع كل القطاعات العمومية وشبه العمومية إلى التفتيش الدوري ومحاسبة كل المسؤولين الذين يثبت في حقهم الإخلال بالواجب؛ ذلك أن غياب المحاسبة يشجع على التراخي والتقصير في أداء المهام كأضعف الإيمان، فيما يغري فئات أخرى من المسؤولين بالنهب والتبذير. فكلما غاب أو تعطل القانون، اتسع مدى الفساد والنهب وضاعت، بالتالي، مصالح المواطنين.

5 ــ مبدأ المحاسبة لا ينبغي أن يقتصر على إعفاء المسؤول من المنصب الحكومي أو الإداري، بقدر ما يستوجب إخضاعه للمحاكمة العادلة لاعتبارات عدة أهمها:

أ ــ إن تقصيره/إخلاله بالواجب تكون له تداعيات على مصالح المواطنين ومعيشهم اليومي وظروف حياتهم العامة. فبقدر الضرر الذي يلحقه بالمواطنين يكون العقاب؛ إذ ما فائدة إعفاء مسؤول عطّل إنجاز طريق أو كهْربة منطقة أو بناء مستشفى أو تشييد مؤسسة تعليمية مادام هذا التقصير تسبب في مزيد من المعانة والتهميش والحرمان لكثير من المواطنين.

ب ــ إن المحاكمة فيها إنصاف للمتضررين وتعويض معنوي يعيد لهم الاعتبار كمواطنين متساوين في المواطنة مع بقية أفراد الشعب. وأي إعفاء دون عقاب مهما كان نوعه، يزيد المتضررين شعورا بالغبن و"الحكرة". وهذا الشعور هو الذي أجج احتجاجات الريف التي كشف تقرير السيد جطو أنها كانت مشروعة.

ج ــ إعادة الثقة للمواطنين في المؤسسات الدستورية وجعلهم يشعرون بأنها تمثل إرادتهم وتستجيب لانتظاراتهم، ومن ثم ردم الهوة بين المواطنين والدولة.

د ــ تكريس دولة الحق والقانون وفصل السلط والقطع مع المزاجية في تطبيق القانون. فعلى مدى عقود لم يشهد المواطنون محاكمة مسؤولين عن الفساد أو التقصير، وحتى وإن جرت محاكمات فهي إما صورية أو تكون أحكامها بالبراءة.

هـ ــ إن الإعفاء دون محاكمة/عقاب هو مساس بقدسية الدستور وخرق لفصوله التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة.

نأمل أن يبدأ المغرب عهدا سياسيا حقيقيا يؤسس فعلا لدولة الحق والقانون ويقطع مع مرحلة الارتشاء والفساد والإفلات من العقاب. يكفي ما ضاع من الفرص ومن الثروات، وسيظل الفساد مؤذنا بالخراب والعدل أساس الملك.