رأي

صلاح بوسريف: في رثاء مجتمع على وشك الانهيار

صلاح بوسريف

أي وطن هذا الذي يهان فيه المعلمون والأساتذة، وتصبح فيه المدرسة مكان عنف وإجرام!؟ أبلغنا من الإهانة والاحتقان، ما يجعل من الأب عرضة لظلم الأبناء، ولاستهتارهم بروابط الدم والاسم، إلى الدرجة التي يهين فيها الإبن الأب، أمام الناس، وكأن هذا الأب لا حرمة له، ولاشيء يرفع عنه ضيم الأبناء وقهرهم!؟

أ وصل بنا السيل زبى مربينا، ومن كانوا لنا الطريق نحو تعلم القراءة والكتابة، والنظر إلى الحياة باعتبارها وجودا بالعلم والمعرفة، لا بالجهل والعبث بقيم التسامح والمحبة والجمال!؟

أليست المدرسة، أو هكذا كانت منذ فجر التاريخ، عند السوريين والبابليين، وعند الفراعنة والإغريق، وفي الحضارة العربية، على عهد العباسيين، بصورة خاصة، هي البيت الذي فيه نتربى على أن نكون مواطنين يتفادون الفساد، وما يسيء للنفس والجسد، مما قد تبتلى به النفس والجسد من موبقات، وما قد يعرض الروح البشرية للخراب، ويفضي بالمجتمع إلى التلاشي والانهيار!؟

فمشهد التلميذ الذي كان يجلد أستاذه في فضاء القسم، على مرأى ومسمع زملائه من التلاميذ، هو تعبير عن انهيارنا جميعا، وعن الحضيض الذي بلغناه، لأننا، جميعا، آباء وأمهات ومعلمون وأساتذة، ومربون، ومسؤولون في كل قطاعات الدولة، وحتى النخبة من مثقفين ومفكرين وفنانين وكتاب وشعراء، بتنا على حافة جرف هار، ما نراه هو الهاوية، والسقوط الذي بات يطوق قيمنا، وحياتنا، إن لم أقل وجودنا كاملا.

لا أحد منا سيبقى في منأى مما جرى، ويجري على الأرض. ولا أحد منا سيكون آمنا في بيته، أو في الشارع، أو في مقر عمله، فالعنف استبد بنا، وصار القاعدة، في ما التسامح والتصافح، صارا استثناء، أو ما عز طلبه.

فحين يصبح الآباء غير أمنين بين فلذات أكبادهم، وحين يصير المعلمون والأساتذة، لا يفيدون في تربية النشء، من الأطفال واليافعين، ممن هم شبان ورجال الغد، فعلى الأرض السلام.

ما رأيناه، وما سمعناه، جرح كبير أدمى نفوسنا وأرواحنا، وما لحق بالأستاذ من أدى، لحق بنا جميعا، وجميعا تداعينا له، كما تتداعى كل أطراف الجسم، إذا ما أصيب طرف منه بأذى، أو بألم مبرح. فلا الدين أمر بسحل الآباء والأمهات، وقهرهم بعنف اللسان أو اليد، ولا القيم الإنسانية التي تفصل البشر عن البهائم، أباحت لبشر أن يقهر بشرا، أو بسلب منه ماله وطعامه، أو يعنفه بالضرب والجرح، فهذا حين يحدث في مجتمع ما، فثمة أمر جلل يحدث في نظام هذا المجتمع، في بشره، وفي أرضه وسمائه.

حذار من الفشل القاتل، الذي بات يحيط بنا من كل جانب، يصيبنا في بيوتا ومدارسنا! فانهيار المدرسة، هو إذن بانهيار الإنسان، وإذن بانهيار المجتمع، وبانهيار الوطن، وهذا ما لابد منه، ما لم نعد النظر، جذريا، في مناهجنا، وفي قيمنا الثقافية، وفي ما يروجه الإعلام من قيم الفرجة والاستهلاك، وما بات مستشريا من تلوث في اللسان الدارج، من كلام جارح وقاتل، هو في جوهره، مقدمة ما نراه من عنف باليد وبالسنان، لا باللسان فقط.