صحة وعلوم

هكذا تؤثر الألوان على طريقة تفكيرك وشعورك

كفى بريس ( وكالات)

لم تشمل بعض اللغات التاريخية أي كلمة تصف اللون الأزرق. وفي الواقع، يُعتقد أن الحضارة المصرية كانت أول من أطلق إسماً على هذا اللون، واستخدمته في وصف الأحجار الزرقاء التي كانت تُستخرج من عمليات تنجيم.

لكن، يعود الفضل في ابتكار أسماء الألوان الأقل شهرة والأكثر غرابة، مثل لون الـ "ميموزا" و"مارسالا" و"غرينيري،" إلى مؤسسات بحثية مثل معهد "Pantone" للألوان. وسُميّت تلك الألوان تيمناً بالمشاعر التي تثيرها عند الناظر لدى رؤيتها. 

وتعكس غالبية الألوان الموجودة في عالم التصميم والتسويق، المشاعر التي تجتاح البشرية في حقبة أو أخرى، أو تروّج لمشاعر جديدة. وكما هو الحال مع القراءة، فإن التعرض إلى ألوان جديدة يُعتبر جزءاً من عملية التعلّم. 

ومع تطوّر اللغات، تطوّرت قدرتنا على ملاحظة ألوان معينة، وربطها بمشاعر جديدة. وقالت نائب رئيسة معهد "Pantone" للألوان، لوري بريسمان، "نختبر ثمانين بالمائة من مشاعرنا عبر العينين،" موضحة: "نظراً إلى قدرتها على التأثير فينا باللاوعي على الصعيدين النفسي والجسدي، الألوان ليست عنصر التصميم الأكثر أهمية لإعطاء شعور معين فحسب، بل هي أهم أداة للتواصل لدينا لإرسال رسالة ما." 

وفي العام 1995، أصدرت المحكمة العليا للولايات المتحدة قانوناً ينص على أن العلامات التجارية يجب أن تلتزم بلون واحد لدى تسجيل الحقوق في شعارها، مثلاً، الدرجة الزرقاء المميزة لعلامة "تيفاني أند كومباني" للمجوهرات، أو الأخضر الغامق لشركة "ستاربكس،" أو اللون الأحمر الفاقع الذي يغطي أسفل أحذية "كريستيان لوبوتيان."

وتعاونت شركة "هواوي" لتصنيع الهواتف المتحركة مع مؤسسة "Pantone" للألوان في شهر فبراير/شباط الماضي لتصنيع خط من أجهزة "P10" ذات الألوان المميزة، كدرجة "Dazzling Blue"(الأزرق الساحر) ودرجة "غرينيري." ولم تستخدم تلك الألوان على الهاتف فحسب، بل في قوائم الهاتف وخلفية الشاشة أيضاً. 

وبحسب رئيسة قسم التسويق في "هواوي،" غلوري جانغ، "أصبحت أجهزة الهاتف نافذة ذكية أخرى نتفاعل عبرها مع العالم،" مضيفة: "يمكن للألوان التأثير على وجهة نظرك أو مزاجك، بينما تعطيك وجهة نظر بطريقتها الخاصة."

ويؤثر الناس على صيحات الألوان، والعكس صحيح. وتعكس الألوان التي تصبح رائجة في الأزياء أو المكياج مثلاً، تحركاً ما يحصل على مستوى العالم. وبحسب رئيسة التسويق في شركة الطلاء "PPG،" دي شلوتر، فإن الألوان التي سادت في ديكورات المنازل في الفترة التي تلت هجمات 11 سبتمبر/أيلول شملت الوردي الفاتح، الذي يعكس الشعور بالتعاطف، والبني الغامق، الذي يعكس الشعور بالاتصال مع الأرض. 

وفي المقابل، تسببت الأزمة الاقتصادية في العام 2008 بتحوّل ألوان الكثير من الجدران البيضاء إلى اللون الرمادي، وهو لون يشير بالحنين إلى الماضي واستذكار أوقات أفضل. أما ألوان "Cobalt blue،" أو الأزرق الغني جداً، أو الأسود الحالك تماماً، أو الوردي الغني، فكلها تعكس بتطرفها حاجتنا للبحث عن الحقيقة. 

لكن، ومن الأسود الغني حتى الأبيض الناصع، تدرجات الألوان الموجودة أكثر من أن تحصى، وتثير فينا الأسئلة عن سبب وجودها أصلاً. ورغم تفاوت صيحات الموضة، تسود الألوان الداكنة، خاصة في ديكورات المنازل، لأنها قد تشير إلى الخلفية العلمية أو إلى توقّع ورثة، بحسب شلوتر. 

أما لون هذا العام لطلاء "PPG" فهو "Violet Verbena" (بنفسجي زهرة رعي الحمام). ويعتقد أن هذا اللون يخلق حساً من المجتمع المتوحد، في عالم تسوده الانقسامات. وهو مزيج من اللونين الليلكي والرمادي الذي أضيفت له تدرجات من اللون الأزرق. 

ويشجّع هذا اللون بحسب شلوتر على مجتمع موحّد لا توجد فيه تفرقة بين الجنسين، ويسوده توازن بين الحياة والعمل، وتماسك بين جيل الألفية الجديدة ومواليد حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية. ويأتي هذا اللون مكملاً لتوجه بعض الشركات لتصنيع الأجهزة الكهربائية، والمفروشات ذات اللون الأسود غير اللامع. 

وفي المقابل، لون العام من "Pantone" هو لون "غرينيري،" الذي يقع تقريباً في الجانب الآخر من ألوان الطيف مقارنة بلون "Violet Verbena." ويعطي هذا اللون مشاعر الراحة والطاقة. وتُظهر الأبحاث أن الألوان الموجودة في الطبيعة، مثل الأخضر الفاتح مع القليل من تدرجات الأزرق، تعطي مشاعر من الهدوء في الأماكن التي نشعر فيها بأننا موجودون بالرغم من إرادتنا، كالمدارس، والمستشفيات، والمكاتب، والسجون. 

وتعكس تدرجات اللون الأصفر حيوية الشمس، ما يقوي التركيز، والذاكرة، ويخفف التوتر، بحسب بريسمان. وبعد أخذ تلك النظرية في الحسبان، تعاونت بريسمان مع شركة "Room Copenhagen" لصناعة منتجات مخصصة للمكاتب تروّج خصيصاً للإنتاجية وحس الفضول بين الموظفين.