رأي

جواد مبروكي: واقعة ورزازات، كَتْرينا المغربية!

حادثة تعدد تعنيف الأستاذ من طرف التلميذ لم تصدمني! ما يصدمني هو أن أرى هذه الأعراض المرضية المجتمعية المغربية تتكرر بدون رد فعل جماعي وموحد وبرؤية موحدة. هل سنستمر في تحرير نفس المحضر ونفس التشخيص دائما أم نمر إلى خطة العلاج والوقاية؟

أحلل هذه الظاهرة على الشكل التالي:

1- ما هو رمز عنف المراهق ضد الرموز الاجتماعية المقدسة؟

تعنيف الأستاذ رمزيا هو تعنيف رمز اجتماعي مقدس، هو تعنيف الأب والأم! الآباء والأساتذة هم رموز مقدسة في هندسة النظام المجتمعي.

عندما يشعر المراهق بالخطر ويفقد الأمل ولا يهتم بشأنه المجتمع، يتهجم حينئذ على رموزه المقدسة ليثير انتباهه إليه. وبطبيعة الحال يجب أن نحلل ما هي هذه المخاطر التي يشعر بها الشاب الناشئ؟

2- التخلي عن مصير الشباب الناشئ

الشاب الناشئ يمر عبر مرحلة انتقالية عصيبة "من الطفل إلى الراشد" وهي مرحلة مرعبة جدا وفي حاجة للحماية والمرافقة عن قرب سواء على الصعيد الثقافي أم العاطفي أم الروحاني أم المادي. لقد تغيرت هندسة ونظام مجتمعنا المغربي فجأة و برز بطأ تكيفه مع هذا التغير، على عكس المراهق الذي ينمو بسرعة فائقة، وبهذا الشكل ظهر التفاوت بحدة بين بطء تأقلم المجتمع ونمو المراهق وحل سوء فهم عظيم.

3-  فقدان الدبابيس (المعالم) الروحانية والقيم المجتمعية

لقد عاش مجتمعنا مدة طويلة في عطش كبير للماديات والتكنولوجيا وبصفة سريعة غرق إلى عنقه بدون فرامل لما كان في حاجة إليه. أعمي بهذا الفيضان المادي والتكنولوجي وذهب تائها في جميع الاتجاهات كالأحمق بدون أن يحدد دبابيس مناسبة مع وضعيته الحالية. في هذا السيناريو فقد الشاب الناشئ معالمه ولم يعد يستطيع أن يجد مكانا له في هذه الفوضى الاجتماعية الهوسية.

4- وحدانية الشاب الناشئ

يجد نفسه الشاب الناشئ في ملجئ لوحده بدون مرافقة ومنقسم بين الخطاب التقليدي والمحافظ  وبين الواقع بدون قيم روحانية وإنسانية. متمزق لا يستطيع أن يوفق بين حداثة الفكر وتدفق الماديات  والخطاب المحافظ  فيزداد خوفه وقلقه وإرهابه!

5- الاتهامات المتبادلة بين الجيلين

كل طرف (الشاب الناشئ والراشد) يضطهد الآخر ويحمله مسؤولية الانحلال الخلقي بمجتمعنا وهذه هي الفتنة!

ولكن من أنجب الآخر؟ من المسئول عن الآخر؟ من الذي يحمي الآخر؟

يلاحظ إذا الشاب الناشئ أن المجتمع لا يفي بالتزامه بمسؤوليته بحمايته ومرافقته فيختار الثورة ضده والانتقام من رموزه المقدسة.

6-الانفصال المجتمعي

قد فقد المجتمع المغربي وحدته وفقد خط الاتصال بين المدرسة والعائلة والحي. وهكذا نتج سلوك عدواني بين هذه الأطراف. وهذا بالضبط ما يرعب الشاب الناشئ ويرى أن ليس هناك من يحميه ويرافقه سواء في المنزل أو المدرسة أو الحي!

7- النظام التعليمي نظام للإملاء الذهني

يفتقد نظام التعليم (في كل أنحاء العالم) دوره كوصي على التلميذ ومتمم لتربيته الاجتماعية والروحانية والإنسانية لأن الآباء ليسوا بمربيين محترفين، لهذا، يصبح الشاب الناشئ في قلق شديد ضد المدرسة ويرفض أن يمتلئ فقط بالمعرفة ويطالب المدرسة بالتزام مسؤوليتها ولهذا يتعدى وينتقم من رمزها المقدس.

 

في الختام إذا اعتبرنا ما وقع بورزازات كمنوعات من حوادث اجتماعية سوف نستمر في ارتكاب الخطأ الفادح. ما وقع هو من أعراض مرض مجتمعي خطير ويتطلب تحليل دقيق والبحث عن الأسباب وبرمجة مشروع علاجي ووقائي طارئ!