رأي

ياسين أوشن: إلى أين تسير المدرسة المغربية؟

ياسين أوشن

في أسبوع واحد، طرد "تلميذة" بسبب قبلة داخل القسم ليتم التراجع عن القرار في ما بعد جراء حملة التضامن مع المطرودة حينها، ثم تعنيف أستاذ في أرذل العمر داخل الفصل الدراسي على يد "تلميذ" له بكل برودة، وغيرها من الممارسات والسلوكيات التي تطبع مدرستنا المغربية في الآونة الأخيرة، والتي باتت توثقها عدسات الهواتف الذكية التي بحوزة التلاميذ.

فيا ترى إلى أين تسير المدرسة المغربية؟ وكيف السبيل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بقطاع حيوي كالتعليم، بعد تفشي ظواهر تفسد نبل الرسالة التي تسعى المدرسة لإيصالها للأجيال التي أصبحت تزيغ عن السكة الصحيحة، منحرفة عن المسار الصحيح الذي من أجل بلوغه أنشئت المدرسة؟

بداية، لا بد من الإعلان عن التضامن مع الأستاذ المعنف، معلنين إدانتنا وشجبنا واستنكارنا ما تعرض له من هجوم همجي في عقر القسم، دون الأخذ بعين الاعتبار المكانة التي يحتلها الأستاذ داخل المجتمع، باعتباره مربي الأجيال، رافضين لكل تبريرات ومصوغات وأسباب الإقدام على ذاك الجرم الشنيع، مطالبين العدالة بمؤاخذة المعتدي بأشد العقوبات ليكون عبرة لكل من تسول له نفسه، في المقبل من الأيام، أن يعنف أستاذا/ة داخل أو خارج المدرسة مهما كانت الدواعي.

شخصيا، وبعد مشاهدة الفيديو كاملا، وما خفي أعظم، لا أحمل المسؤولية "للتلميذ" الهائج فقط، بل أيضا لبقية التلاميذ الذين كانوا يتفرجون على الحادث دون تدخل لإيقافه قبل أن تتطور المشاداة بينهما، كما لو أنهم خائفون من "عنتر" زمان "سمارت فون"، مستمتعين بمشاهدة عراك يندى له الجبين بين طرفين بينهما عقود من الزمن سنا.

مخطئ من يعتقد أن الحادث يخص أستاذ ورزازات فقط، بل هناك حالات وحالات من أساتذة يتبادلون اللكمات مع تلامذتهم داخل القسم أو في الشارع العام، لأسباب يخجل القلم عن تدوينها واللسان عن ذكرها، في مشاهد تشي بأن الأستاذ فقد رمزيته التي جعلت أمير الشعراء أحمد شوقي يقول عنه سابقا: قم للمعلم وفه التبجيلا... كاد المعلم أن يكون رسولا.

وكيف لا يفقد الأستاذ مكانته وهو الذي بات يشتغل بـ"الكونطرا" بعد تكوين لثلاثة أيام، والتلاميذ على علم بمعنى التعاقد في التعليم، ما يعني أن السياسة المتبعة في المنظومة ككل هي التي تولد لنا كل هذه الانحرافات غير المقبولة في السلوك تجاه الأستاذ، وهذا الاستنقاص والاستصغار في نظرتنا إلى الأستاذ اليوم، ولو أن الأستاذ المعتدى عليه من القدامى المزاولين، إلا أن العنف الواحد والظاهرة واحدة وينبغي التصدي لها بكل حزم.

لا شك أننا كنا كلنا يوما تلامذة، مِنّا مَن كان مواظبا، ومنا من كان مشاغبا، وللتاريخ فقط، فصاحب هذه السطور كان من "أشغب" المشاغبين في الإعدادية والثانوية على الخصوص، رغم حرص والدتي أشد الحرص على ألا أكون كذلك، لم أوقر لا أستاذة ولا أستاذا، ولم أحترم لا المدير ولا الحارس العام، كانت علاقتي بجميع الأطر التربوية متوترة بتلكم البلدة القروية من المغرب المنسي، وتبادلت معهم/هن السباب والشتائم غير ما مرة، لكن، وللأمانة، لم أتجرأ على العراك يوما مع أستاذ، ولم أتبادل اللكمات أو الصفعات مع أحدهم.

ولأن واقعة أستاذ ورزازات أعادت إلى ذاكراتي تلك الأيام من سنتين 2006 و2007 بالخصوص، أريد أن أهتبل هذه الفرصة/الواقعة لأقدم لكل أستاذ وأستاذة، كانوا يوما مصدرا للعلم والمعرفة والأدب والأخلاق، كامل اعتذاري وأسفي على طبق من ألماس، بسبب الفوضى التي تسببت فيها حينها، وجراء التسيب الذي أحدثته، دون إدراكي أني سأندم في المقبل من السنوات على حصص دراسية لا تقدر بثمن، ضاعت مني مجانا ولم أجنِ من ورائها سوى الجهل وبذل مزيد من الجهد لاستدراك ما فات، وهذه دعوة صريحة إلى ضرورة وواجب احترام الأستاذ مهما صدر منه من سلوك، إذ على يده يتخرج المهندس والطبيب والمحامي والإعلامي والمقاول...